نحو نظام عربي جديد مركزه الأردن

نبض البلد -

حاتم النعيمات

 

من الواضح أن المواجهة بين إيران وإسرائيل لن تخمد بسهولة، ولو حدث ذلك فإن الآثار اللاحقة لها لن تكون بسيطة؛ فهذه المواجهة المباشرة الحقيقية الأولى بينهما (بدون وكلاء) تدار بحياد أمريكي سلبي مع دعم من تحت الطاولة لإسرائيل، وهذا يعني أنها امتداد للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، لذلك من المرجّح أن ينتج عنها تغييرات كبيرة في التوازنات واللاعبين وأدوارهم. وتحت نفس العنوان، يمكن اعتبار ما يحدث حافزًا قويًا لخلق منظومة عربية فاعلة للتعامل مع الواقع الجديد المتوقع.

 

في التعامل مع هذا التغيُّر المرتقب هناك مشكلة ولها مستويين، مستوى حكومي عربي ومستوى شعبي، أما الحكومي فقد نوقش كثيرًا من ناحية عدم وجود تخطيط عربي تضامني شامل تحمله الحكومات العربية على عاتقها بجدية، وذلك لأن الكثير من الدول العربية "كانت" تعتقد -قبل السابع من أكتوبر- أن إسرائيل خطيرة على جيرانها فقط وثبت لها أن ذلك غير صحيح، فما تسعى الولايات المتحدة له هو محاولة فرض إسرائيل كشرطي في المنطقة، لأن الولايات المتحدة تعتقد أن كثافة مصالحها ومواجهاتها تتركز في شرق آسيا وليس في الشرق الأوسط؛ لذلك فهي تحتاج إلى ذلك الشرطي. كل ذلك يرمي على كاهل الأردن الحمل الأكبر كونه صاحب أكبر خط مواجهة والأكثر عرضة لخطر كخطر التهجير دونًا عن بقية الدول العربية، لذلك فالسعي لخلق هذا التضامن هو مهمة أردنية بالدرجة الأولى لأنه المتضرر الأكبر من نظام الشرطي الأمريكي، ونحن بموجب هذا كله لا نملك خيارًا إلا أن نقود بأنفسنا المبادرة وألا ننتظر الآخرين.

 

أما المستوى الشعبي العربي فهذا بالذات يحتاج لتأمل عميق، حيث لم يستطع هذا المستوى أن يؤثر بأي ضغط فاعل على الحكومات العربية ليحضها على فكرة التضامن، بل على العكس، اكتفت العقلية العربية العامة بأن تكون انفعالية وتتبع العنتريات والإيمان بأي شيء غير الواقع، ونرى الآن ذلك من خلال تفاعلها مع العدوان على غزة ولبنان وسوريا واليمن، حيث ثبت من خلال ذلك أن لديها أزمة واضحة في إدراك الضبط الدلالي لمصطلحات مثل النصر، والهزيمة، والدولة، والمليشيا وغيرها من المصطلحات التي تسبب زوغان معناها إلى كل هذا التوهان الذي نراه اليوم.

 

وعند الحديث عن التضامن العربي، فأنا لا أقصد التقليل من أهمية الدولة الوطنية الفردانية التي تعتبر العمود الفقري لهذا التضامن باعتقادي، بل على العكس، فإن دمج التضامن العربي في الخطط الوطنية للدول العربية هو النهج الأصلح باعتقادي، فلدينا اليوم قدرة أفضل على وضع المصالح الأمريكية بالجملة على الطاولة وهذا مهم لمقارعتها في المستقبل. من جانب آخر، فمن الواضح أن المنطقة ستخلو إلى حد كبير من المليشيات، وهذا بدوره سيعطي السيادة للدول الوطنية والدبلوماسية الراقية وسيعزز حضور القانون الدولي أكثر.

 

كمتطلب سابق للدخول في مشروع خلق نظام عربي جديد، فأعتقد أن الدولة الأردنية تحتاج لمحاصرة بعض التوجهات دون مجاملة؛ حيث يوجد هنا من يرغب بشدة بأن نكون طرفًا في المواجهة العسكرية الجارية بين إيران وإسرائيل، ويقترح في سياق ذلك -مثلًا- على الدولة تسلّيم سيادتها الجوية لهذا الصراع بغض النظر عن سلامة الأردن والأردنيين، وظاهر ذلك هو الرغبة في إلحاق الأذى بإسرائيل، لكن باطنه هو السعي لتوريطنا في مواجهة معها. بالتالي فالدولة الأردنية مطالبة بمعالجة هذا الطرح وأتباعه؛ فإضعاف الدولة الأردنية مطلب إسرائيلي إستراتيجي لتنفيذ مشروع التهجير بسهولة تمامًا كما حدث في سوريا بعد انهيار الدولة هناك.

 

بتصوري فإن إحلال التيارات السياسية الجديدة (التي انبثقت عن مشروع الإصلاحي السياسي) بدلًا من التشكيلة القديمة أصبح يمثل جوهر الإصلاح في ظل ما يحدث في المنطقة، حيث تحتاج الدولة إلى خارطة سياسية جديدة قادرة على إنتاج فكر سياسي مواكب، وشخصيات سياسية تدرك العناصر الجديدة في المعادلتين الداخلية والخارجية، فلا يعقل أن تضيع الدولة الوقت والجهد في الرد على التشكيك والتخوين من قبل المنظومة الكلاسيكية التي كان لها الدور فيما نراه اليوم من مآسي في المنطقة.