الحرب الإيرانية الإسرائيلية تفكك طاولة المفاوضات بين واشنطن وطهران

نبض البلد - الصراع الإقليمي يعيد تشكيل معادلات سوق الطاقة ويؤثر على سلاسل الإمداد عالميًا
العناني: الجبهة الداخلية الإيرانية اليوم أكثر تفكيكًا
عايش: إيران في أسوأ حالاتها الاقتصادية  مي الكردي
مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران وتحولها إلى مواجهة عسكرية مباشرة، بدأت تداعيات هذا الصراع تتجاوز البعد الأمني لتلقي بظلالها الثقيلة على المشهد الاقتصادي الإقليمي والعالمي.
فالحرب التي اندلعت بين إيران والكيان الصهيوني تنذر بإعادة تشكيل معادلات سوق الطاقة، وتهدد سلاسل الإمداد، وتربك حسابات المستثمرين على حد سواء.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى احتواء الآثار الجيوسياسية للحرب، يواجه الاقتصاد العالمي موجة جديدة من عدم اليقين، تقودها مخاوف من ارتفاع أسعار النفط، واضطراب الملاحة في الممرات الحيوية مثل مضيق هرمز، وتزايد مخاطر التضخم.
أما على المستوى الإقليمي، فتواجه اقتصادات الدول المجاورة لإيران وإسرائيل تحديات مباشرة تتعلق بالاستثمار، والتجارة، وحركة رؤوس الأموال.
ووسط تصاعد الضربات العسكرية بين الطرفين والتي بدأها الطيران الحربي الإسرائيلي فجر الجمعة باستهداف منشآت نووية ومراكز أبحاث وقواعد عسكرية إيرانية، تصاعدت التوترات وتفككت طاولة المفاوضات النووية بين أمريكا وإيران قبيل جولتها المقررة اليوم الأحد، إثر إعلان إيران انسحابها من المفاوضات النووية.
وفي أوج التصعيد الإسرائيلي على إيران، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشبكة "أيه بي سي” بأن إدارته منحت الإيرانيين فرصة لم يستغلوها، واصفًا الهجوم على إيران بأنه "ممتاز”.
وفي وقت لاحق، عرضت واشنطن على إيران حضور جولة المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الأحد، لكن العرض قوبل بالرفض وفقًا لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت” عن مصادر أمريكية.
وإثر ذلك، تتجه التحليلات السياسية والاقتصادية إلى أفضلية عودة إيران إلى طاولة المفاوضات لتفادي تصاعد الصراع في المنطقة وتقليل الخسائر العسكرية والاقتصادية في ظل الحصار الاقتصادي المشدد عليها منذ عقود بسبب برنامجها النووي.
وتشير الاختراقات الإسرائيلية العميقة داخل الأراضي الإيرانية إلى هشاشة الجبهة الداخلية، مع تحذيرات من احتمالية انتقال المواجهة إلى تفكيك النظام الإيراني الحالي.
على الصعيد الاقتصادي، ارتفعت أسعار النفط والذهب تعويضًا عن خسائر الفترة الماضية، حيث قفزت أسعار النفط في مطلع الهجوم نحو 12%، فيما حقق الذهب ارتفاعات بنحو 1% ويتجه للمزيد وسط توقعات باستمرار الحرب لأيام وربما أسابيع.

إصرار أمريكي على التفاوض النووي

وأكد الخبير السياسي والوزير الأسبق جواد العناني أن محاولة الرئيس الأمريكي ترامب لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات تهدف إلى توضيح أن الضربات الإسرائيلية لم تكن لاستهداف إيران بحد ذاتها، بل لفرض موقف تفاوضي. وأوضح أن ترامب لا يريد خسارة إيران كشريك محتمل في المستقبل، خصوصًا في حال التوصل إلى اتفاق.
وشدد العناني على أن شروط أمريكا واضحة بعدم السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم لأي غرض كان، سواء سلميًا أو عسكريًا، مشيرًا إلى موقف المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يعتبر تخصيب اليورانيوم حقًا لإيران لأغراض سلمية، مؤكدًا أن ترامب يرغب في استمرار التفاوض مع إيران.
ورأى العناني أنه رغم المناكفات، قد تُقدم أمريكا عروضًا لإعادة طهران إلى المفاوضات، لكن بدون تنازلات تذكر عن الموقف الأمريكي السابق، مع تأكيده أن الحرب تحمل كلفة اقتصادية عالية لإيران، وقد تؤدي إلى سقوط النظام.

تحركات أمريكية "من تحت الطاولة”

وقال العناني في حديثه لـ”الأنباط” إن الهجمات الإسرائيلية جاءت بإضاءة خضراء أمريكية، مؤكدًا أنه لولا موافقة الولايات المتحدة لما نفذت إسرائيل هذه الضربات.
وأضاف أن واشنطن لم تشارك عسكريًا لكنها قدمت ضمانات لإسرائيل بالحماية، معتبرًا أن الهجوم الإسرائيلي يصب في صالح الموقف التفاوضي الأمريكي.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة لم تُجر إلى صراع مباشر مع إيران حتى الآن، رغم احتمال مشاركة استخباراتية، موضحًا أن الإعلام الإسرائيلي ينفي تحريض واشنطن على هذه الخطوة.

اختراق الداخل الإيراني وتمهيد للتصدع
وأكد العناني أن إيران تعاني من اختراقات داخلية نتيجة تعاون بعض الأشخاص مع إسرائيل، مضيفًا أن ملف طهران النووي تحت تهديد خطير قد يضطر النظام إلى تغيير سياساته لإنقاذ مصالحه في المنطقة.
وأشار إلى أن الجبهة الداخلية الإيرانية اليوم أكثر تفككًا مما يظهر إعلاميًا، وأن صوت إيران في المنطقة قد تراجع مقارنة بالدول الإقليمية الأخرى مثل تركيا وإسرائيل.

ارتفاع أسعار الذهب والنفط يتصدر الصراع

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن الارتفاعات التي شهدتها أسعار الذهب والنفط طبيعية في ظل التوترات بين إسرائيل وإيران، حيث سجل النفط ارتفاعًا بنحو 12%، فيما ارتفع الذهب بأكثر من 1% مع توقعات بمزيد من الصعود.
وأضاف أن هذه الاضطرابات مثالية لجذب المستثمرين في الذهب، مستفيدين من ارتفاع الأسعار، بينما تخشى الأسواق تعطل تصدير النفط عبر الخليج ومضيق هرمز وباب المندب، ما يؤثر على أسعار النفط العالمية.

التغطية الإعلامية الأمريكية الإسرائيلية

وأكد عايش أن التغطية الإعلامية تحاول إبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن صورة الهجمات الإسرائيلية على إيران، بهدف حماية القواعد الأمريكية من الرد الإيراني.
وأضاف أن هناك تنسيقًا أمريكيًا إسرائيليًا لتحمّل إسرائيل مسؤولية الضربات مع استعداد واشنطن لحماية مصالحها وقواعدها، بالتعاون مع حلفاء غربيين.

ارتدادات اقتصادية عميقة

وأكد عايش أن إيران في أسوأ حالاتها الاقتصادية، حيث تركز الضربة الإسرائيلية على قدراتها الاقتصادية والعسكرية، مشيرًا إلى أن الحصار المستمر منذ 40 عامًا حد من استفادتها من مواردها النفطية والغازية، وأثر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وأضاف أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة أدت إلى تقييد إمكانيات إيران اللوجستية، بعد استهداف ميناء بندر عباس، ما يؤثر سلبًا على أداء الاقتصاد والسياسة والعسكرية.

تحجيم الموقف النووي الإيراني

ولفت عايش إلى أن الولايات المتحدة سمحت أو حثت إسرائيل على تنفيذ هذه الضربات لإجبار إيران على العودة إلى المفاوضات "صاغرة” وقبول تفكيك برنامجها النووي، مع احتمال تحرك عملاء إقليميين وغربيين لمحاولة قلب نظام الحكم الإيراني.

انعكاسات الصراع على الأردن
على الصعيد المحلي، يتوقع أن يتأثر الأردن كغيره من دول العالم، حيث يؤثر توقف حركة النقل الجوي على القطاع السياحي، وارتفاع أسعار النفط يزيد من تكاليف المعيشة. كما يسبب تذبذب حركة النقل البحري والبري تأثيرات على استيراد السلع الغذائية وتصدير الفوسفات والبوتاس والأسمدة.
ويتوقع أن ينعكس ذلك على ارتفاع التضخم وتراجع النمو الاقتصادي، حيث خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الأردن من 2.6% إلى 2.4%.