فشل نظرية الصبر الاستراتيجي وعدمية التناقض التناحري
شروخ في المؤسستين العسكرية والسياسية تسلل منها الموساد الإسرائيلي
مؤسسات صنع القرار شاخت وأدواتها غير صالحة للحكم
عمر كلاب
في كل حرب شيئ مما قبلها, عبارة قالها الأستاذ, محمدحسنين هيكل, يمكن الاستئناس بها, لقراءة مشهد الحرب الفضائية, نسبة إلى ساحة الحرب, بحكم عدم التكاتف الجغرافي بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي, فالحرب في السماء والنتائج على الأرض, وما قبل هذه الحرب, يمكن أن يكون مؤشرًا على أهدافها ومألاتها, فالحرب بدأت منذ انكشاف المشروع النووي الإيراني, وحرص إسرائيل على عدم وجود دولة نووية غيرها في الإقليم الأوسطي الساخن, فمنذ العام 2011, عام وصول نتنياهو المتصل إلى سدة الحكم في كيان الاحتلال والمشروع النووي الإيراني هدفه الساس.
الحرب بين إسرائيل وإيران مفتوحة منذ زمن, لكنها كانت بالوكالة, وهذا أحد أسباب ضعف إيران اللاحق, فهي -أي إيران- لم تعتد الحرب المباشرة مع إسرائيل, ولم تتحضر لوجستيًا لهذه الحرب, وخسرت مشروعها, القائم على الصبر الاستراتيجي, أمام نظرية الخداع الاستراتيجي, حسب وصف المحلل السياسي جورج حدادين, فمنذ انكشاف إيران المباشر للكيان الصهيوني, بعد خسائرها في لبنان وغزة, حماس وحزب الله, وتاليًا خسارة نظام الأسد في سورية, باتت إيران بلا وكلاء, أو أذرع للدقة, فدخلت الحرب مكشوفة الظهر, وتعاني من ثلاثة مخاطر بنيوية.
الأولى: عدم وجود عقيدة قتالية واحدة, بحكم تعدد المرجعية العسكرية الإيرانية, فهناك قوات عسكرية للحرس الثوري, وفيها كل أشكال القطاعات العسكرية, حسب المحلل العسكري نضال أبو زيد, وقوات الجيش الإيراني النظامية, التي تمتلك كل القطاعات أيضًا, أي أن ثمة هويتان عسكريتان داخل إيران, وحيثما تتواجد هويتان, فثمة صدام بالضرورة, وهذا أحد أسباب انكشاف إيران بعد الضربة الإسرائيلية, التي طالت قيادات الصف الأول في المؤسستين العسكريتين, ناهيك طبعًا عن قوات الباسيج وهي أقرب إلى جهاز أمني داخلي, لملاحقة أعداء نظام الملالي.
الثانية: ثبات هيكلية النظام الإيراني, وأدوات صنع القرار, دون تطوير أو تحديث, منذ انتصار الثورة إلى اليوم, مما يعني هرم النظام ووصوله إلى مرحلة الشيخوخة, وظهور جيل جديد أو ما يعرف بتيار الإصلاحيين, الذين فاض بهم الغرام من سيطرة الشيخوخة على مفاصل الدولة, من تيار المحافظين, وأدوات صنع القرار القديمة, وسط عالم متحرك بسرعة هائلة, وهذا شرخ آخر في بنية الدولة الإيرانية, أسوة بالشرخ العسكري, كما يرى أستاذ العلوم السياسية محمد أبو رمان, فرغم تنامي حضور التيار الإصلاحي في إيران, إلا أن نفوذه داخل مؤسسات صنع القرار, محدودة جدًا ولا تتناسب مع حجمه الاجتماعي وحضوره السياسي.
إذن, شرخان كبيران, في جسم الدولة الإيرانية, في المؤسسة العسكرية والمؤسسة السياسية, وهذه النقطة الثالثة, التي سمحت للموساد الإسرائيلي باختراق مفاصل الدولة الإيرانية, مسنودًا بتيار ثالث – غير المحافظين والإصلاحيين – معاد بالكامل لنظام الملالي, قد يكون ليبراليًا أو ديمقراطيًا أو أي تصنيف سياسي واجتماعي, لكنه وصل إلى مرحلة الحقد على النظام وبنيته وتركيبته, غير الديمقراطية, كما يصفه رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية حسن المومني, ونعرف أن الموساد سبق وأن عمل بقوة مع الإيرانيين, ابان حربهم مع العراق, ونجح في تكوين علاقات وصداقات مع أركان في إيران, وصلوا لاحقًا إلى مواقع متقدمة في الدولة, وهذا ما يؤكده حجم الاختراق ودقة المعلومات, التي أسفرت عن اصطياد قيادات الصف الأول في المؤسسة العسكرية الإيرانية, واصطياد العلماء.
الواقع الداخلي الإيراني المشروخ والمشتت, يقابله واقع خارجي أكثر عدائية, فالدولة الإيرانية لم تنجح في بناء علاقة جوار حسنة مع الجيران العرب, بل لعبت على القطبة المذهبية, وأنتجت حالات داخلية في دول الجوار, شكلت صداعًا كبيرًا لأنظمة الحكم وللمجتمعات أيضًا, ووصل حد التبجح, عندما أعلنت طهران, أنها تمتلك القرار في أربع عواصم عربية, وقابل ذلك إحساس عربي, بأن العدو الإيراني أكثر خطرًا من العدو الصهيوني, وبعض الأنظمة استبدلت الأولويات في العداء, كما كان يقول المرحوم السياسي البارز عدنان أبو عودة, ولهذا نشاهد اليوم, حالة شماتة بالنظام الإيراني, رغم أن تلك المرحلة جرى تجاوزها مؤخرًا, ولكن الوقت لم يسعف إيران لإثبات عكس التصور الأول.
أمام هذا الواقع ما هي خيارات إيران, وما هي حدود الغطرسة الإسرائيلية التي باتت تستهدف وجود النظام الإيراني وليس الملف النووي, فثمة دعوة صريحة من نتنياهو للشعب الإيراني للانقضاض على نظامه, واستثمار حالة الارتباك والارباك الحاصلان اليوم, فالرد الإيراني مكلف والاكتفاء بهذا القدر من الرد, أكثر كلفة, حسب أبو رمان, فهل تنجح مقاربات الحوار, كما يطلب الإقليم, وتذهب طهران إلى مسققط اليوم, أم تتطرف إلى نظرية التناقض التناحري, بعد فشل نظرية الصبر الاستراتيجي, وما لاقته من الخداع الاستراتيجي, على إيران اليوم أن تنتبه إلى عمقها الداخلي لمواجهة أي صدام كبير ومستدام, فجبهتها الداخلية تحتاج إلى إعادة بناء وليس إلى ترميم فقط, وثمة خبرات لدى تيار الإصلاحيين في مواجهة الغرب ومحاورته, وبناء دولة ديمقراطية, فزمن الملالي لم يعد مقبولًا, بنسخته الحالية.