في عيد الأضحى، حين تتزيّن الأيام بالتكبير والتهليل، وتعمّ الفرحة البيوت، أقفُ عند باب الذكرى، أبحث عن ظلّك الوارف، وصوتك الذي كان يُضيء العيد بضحكةٍ لا تُنسى، وكلماتٍ كانت تُدخل السكينة في القلوب... فأدرك أنّك وإن غبتَ بالجسد، فإن روحك حاضرةٌ في كل تفاصيل العيد.
رحل والدي، الحاج المرحوم سميح أحمد البيايضة "أبو وائل"، إلى جوار ربه يوم الخميس الموافق 28/11/2024، بعد حياةٍ حافلة بالشقاء والعطاء، ملؤها الصبر، والعمل، والإخلاص. عاش مُكافحًا، لا يعرف للراحة سبيلًا، حمل أثقال الحياة على كتفيه بصمتٍ النبلاء، ومضى في دروب الرجولة شامخًا، لا يلين.
أُعايدك اليوم يا والدي، وأبعث لروحك الطاهرة تهنئة من قلبٍ لم يعرف منذ رحيلك طعمًا كاملاً للفرح. أُعايدك وأنت في دار الحق، أسأل الله أن يكون عيدك في الجنة كما كان عيدنا معك في الدنيا: عامرًا بالمحبة، غنيًا بالرضا، نقيًّا كالنية التي طالما سكنت صدرك.
كان والدي – رحمه الله – رجلًا عصاميًّا من الطراز الرفيع، وسيدًا في قومه، لا يُذكر اسمه إلا ويُذكر معه الخُلق، والفراسة، والكرم، والمروءة. رجلٌ شريفٌ، لم يأكل يومًا إلا من كدّ يده، ولم يرفع صوته إلا للحق، ولا مدّ يده إلا بالعطاء.
كان – رحمه الله – صاحب حنكة وذكاء خارق في الأزمات، يزن الأمور بعقل القادة، ويتعامل مع الشدائد بحكمة الكبار. وقد عاش يتيم الأب والأم منذ الطفولة، وتحمل المسؤولية منذ نعومة أظفاره، فكان يعمل ويكدّ وهو طفل، رجلاً في مواقفه، نبيلاً في صمته.
قلبه أبيض نقي، لا يحمل الحقد رغم سواد قلوب من حوله، وكان معطاءً كريمًا، طيبًا هينًا لينًا. قليل الحديث، لكنه إذا تكلّم أوجز وأصاب، وفي كلماته قيمة ومعنى وأثر.
عُرف أبي بحكمته العميقة، وفهمه للناس، وكان يُضرب به المثل في رجاحة العقل، ويُقال عنه إنه "يعرف من أين تُؤكل الكتف"، وهي خصلة لا يُحسنها إلا القادة والحكماء. بيته كان مأوى للضيوف، ومائدته عامرة بطعام الزاد، ووجهه بشوشٌ حتى في أصعب الأيام.
ترك لنا إرثًا لا يُشترى، من القيم والمبادئ والمواقف الرجولية التي نعتز ونفتخر بها.
في هذا العيد، أقول لك يا أبي:
كل عامٍ وأنت في الجنة، حيث لا وجع، ولا تعب، ولا رحيل.
كل عامٍ وأنت في قلب الدعاء، وفي سجودنا، وفي أحاديث الشوق التي لا تنتهي.
عيدك في الفردوس الأعلى أجمل، يا من جعلتَ من حياتك عطرًا نقتفيه، ومثالًا لا يُنسى.