لجنة السينما في "شومان" تعرض الفيلم السنغالي "بانيل وأداما" غدا

نبض البلد -
لجنة السينما في "شومان" تعرض الفيلم السنغالي "بانيل وأداما" غدا 

عمان 19 أيار – تعرض لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان يوم غد الثلاثاء، الساعة السادسة والنصف مساء، الفيلم السنغالي "بانيل وأداما"، للمخرجة راماتا تولاي سي، وذلك في مقر المؤسسة بجبل عمان.
هل يصمد الحب أمام ضغوط العادات والتقاليد الاجتماعية؟ وأمام قسوة الطبيعة؟ هذا هو سؤال الفيلم السنغالي "بانيل واداما" للمخرجة راماتا تولاي سي، لكنه ليس المقصود هو الحب برومانسيته، بمقدار ما يحمل من دلالة الرفض والتمرد والخروج على ما هو سائد إلى درجة اليقين.
"بانيل" الفتاة المفعمة بالحيوية والحب والرغبة بالانعتاق، والنزوح خارج المجتمع بكامله الذي يكبل إرادتها، والمتزوجة حديثا من "أداما" شقيق زوجها المتوفي بعد سقوطه في بئر مكشوف، والتي لا تجد حرجا في الإعلان عن حبها لـ "أداما، عندما كانت زوجة لأخيه. تجد في زواجها الجديد، فرصة أخرى لتحقيق أحلامها، والتحرر من الحياة الروتينية القاتلة، وتكون البداية عندما يقتنع معها زوجها بالخروج من بيت العائلة، الذي يفتقد للحد الأدنى من الخصوصية، إلى بيوت كانت قد بُنيت على أطراف القرية، لكن الرمال غمرتها، ويبدأ عملهما عندما يفرغ زوجها من رعي القطيع، بإزاحة الرمال، وتتبين معالم البيت بالتدريج، وكأنهما يقفان على مشارف حلمهما بالاستقلال بعيدا عن أجواء القرية الطبيعية والاجتماعية القاسية.
وحسب تقاليد القرية، لا بد أن يتولى "أداما" منصب زعيم القرية المتوارث عن والده، بعد موت أخيه الأكبر، لكنه وسط دهشة العائلة، واستغراب أهل القرية، يرفض بشدة، لأنه لا يجد نفسه في هذا المنصب الذي ترى فيه "بانيل" تثبيتا لهم في القرية، وعائقا أم الحلم بتغيير حياتهما، والذهاب بعيدا عن كل هذه الأجواء.
سوء حظ هذه المرأة الباحثة عن التغيير، تصطدم مع قسوة الطبيعة، حيث يبدأ الجفاف وانحباس المطر، وموت الأبقار والماشية التي انتشرت جثثها في الحقول، وزيادة موتى القرية، ولهيب الصحراء، والمجاعة، وانحسار الخضرة، والدموع والعرق، والعزلة، والضغوطات عليها بسبب عدم حملها، وتشجيعها لزوجها بعدم قبول زعامة القرية، وكل هذه العناصر التي وضعت الجميع أمام أفق مسدود، وكانت هي المشجب الذي يعلقون عليه كل هذه المشاكل، وأصبح يدور همس ونظرات موجهة نحوها بأنها بمثابة لعنة، وفأل شؤم على القرية وأهلها.
هذه الظروف جعلت الزوج "أداما" أكثر انشغالا وغيابا عن زوجته، يغيب كثيرا ويعود مرهقا، ولا وقت للحوار والحديث، وأصبحت مأزومة وضائعة، ومتشككة في القدرة على مواصلة الرفض والتمرد، وتعبر المخرجة بذكاء عن الحالة النفسية لها باستخدام المقلاع المطاطي في قتل الحيوانات الزاحفة، والطيور الصغيرة، تعبيرا عن شحنات الغضب العالية في داخلها، التي تنفس عنها بهذا الكم الزائد من العنف، وكذلك سلوكها الذي فيه شيء من العدوانية مع الآخرين، بعد أن أصبحت على حافة الارتياب والخوف بأن قدرتها على المقاومة والاحتجاج قد بدأت بالتراجع أمام واقع مأساوي يعاني منه الجميع، وكيف أنه سرق شريكها "زوجها"، بالتمسك بأمل الخروج من شرنقة المجتمع الخانقة.
لكن "بانيل" لا تستسلم، عندما تنظر إلى الطفلة الوليدة، وبنظرة فيها الكثير من التحدي، وكأنها لا تريد أن تعيش هذه المولودة نفس مصيرها، تخرج في مواجهة الريح والغبار، وبابتسامة وخطوة واثقة، تشق طريقها باتجاه البيت "الحلم"، وتغيب وسط موجة الغبار الأصفر، وتستحضر التاريخ الذي كانوا فيه أحرارا، بجملة تدين بها هذا الواقع والشر الذي أصبحوا فيه. 
قدمت المخرجة فيلم "بانيل واداما"، بوعي دون أن تقدم محاكمات، إنما مخاطبة للعقل والوجدان، بحكاية تبدو بسيطة، لكن تحتها الكثير من التفاصيل، وبكاميرا تتحرك بحيوية، وسط هذه البيئة القاسية الحاضنة للشخصيات والأحداث، كاميرا تعطي المتلقي مساحة للتأمل في الطبيعة، بكل عزلتها وقسوتها، وجذوع الأشجار التي كأنها تطبق على أعناق سكان المكان، وتلك الشمس اللاهبة والريح الصفراء، والوجوه المتعبة الغائب عنها لحظات الفرح، بمرافقة موسيقى تعبر عن هواجس ودواخل الشخصيات، وعن البيئة الطاردة لما هو إنساني، وأداء من الممثلين، حيث "بانيل"، المتفهمة لأعماق الشخصية، وطموحاتها والتعبير الواعي عن انفعالاتها، ولحظات الفرح والانكسار، والقسوة والارادة، وكذلك "أداما" الشخصية المشدودة إلى إرث الأجداد، والمتطلعة إلى تحقيق الحلم بخلع هذه الجذور.
"بانيل وأداما"، انتصار للمرأة في مواجهة منظومة التقاليد، وقسوة الطبيعة، بعيدا عن الصراخ والشعارات، والإدانة المسبقة.