وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا...

نبض البلد -

في تلك اللحظة التي يعلو الباطل ويتضخم حتى يكاد يملأ المحيط، تأتي ظروف الزمان بتصاريف عجيبة، وهنا تقف مستغربا هل لكل هذا من نهاية، الظلم مخيف وعواقبه اكثر إخافة، وما يتعرض له الناس في فلسطين، كل فلسطين منذ حوالي القرن ونيف شيء عجيب، يفوق قدرة الناس على التحمل، جوع وقتل وتشريد وخيام وقنابل خارقة للتحصينات تنزل على اجساد النساء والأطفال والمدنيين العزل، وصمت مريب يكاد يأخذ بالعقول.
وصمود اسطوري يكاد يذهب بالعقول.

كيف استطاع هؤلاء الصمود إلى الأن، في وقت يلقي فيه هذا الجندي المدجج بألة الحرب والدعم النفسي واللوجستي والفضائي والطيران والمدرعات، نفسه من شرفة طابق حتى لا يلاقي هذا المقاوم المدافع عن شرفه وارضه، والذي من الممكن ان يكون ببنطال رياضة وزنوبا وبطن خاوية، مقاييس لا يتقبلها العقل ولا المنطق.

هؤلاء الذين علوا في الأرض علوا كبيرا، ووصلوا ان يفرضوا على حكام الأرض ما يريدون، سواء كان حقا او باطلا، امرا مقبولا ام مرفوضا، اخلاقيا ام غير اخلاقي، يتوافق مع القوانين ام لا، بلا حرج ولا تكلف ولا خاطر لأي أحد فيهم، بل يكاد الأمر أن يكون مفروضا.

ولكن هل يدرك هذا الخبيث الجبان ان سنن الله ماضية، واقداره محتومة، وان هذا العلو اذا لم يحسنوا فيه لأنفسهم، فإن مصيرهم هو التتبير والزوال والدمار، اول مراتب المقاومة الرفض لهذا الواقع، والعمل على تغييره، والصمود والصبر على المقاومة، حتى الشهادة او النصر، هل صدق عمر المختار رحمه الله في القول هنا، نحن لا نستسلم، ننتصر او نموت، يبدو ذلك جليا هنا، هذه الفئة صامدة برغم ما أصابها، محتسبة امرها، متوجهة إلى ربها، لا يضرها من خذلها، ويبدو لي ان مع العسر سيكون يسرا، بل يجب أن يكون مع العسر يسرا، فهذا امر إلهي لا يقدر احد على إيقافه او منعه.

عندما تصبر هذه الفئة المظلومة على ما أصابها وتحتسب أمرها، تبدأ المواقف بالتفكك، وحتى الصلب منها يتفتت تحت هذه المطارق، فمع كل قتل هناك مطرقة، تضرب تلك الرؤوس الظالمة في العمق من مواقفها وأفكارها، ومع كل مجزرة وطفل وامرأة وصرخة وألم وجوع، وقتل للضعيف والمريض والنساء والأطفال، تتعدد المطارق بعدد المصائب، فتفك بهذه الرؤوس، يا إلهي كيف تصبح صخرة الصمود مطرقة لرؤوس الظالمين، وسبب في تصدع مواقفهم وأرائهم.

هل لذلك بدأت بعض الضمائر تصحو، اليوم يخرج علينا المستشار الألماني فريدرش ميرتس، وديفيد لامي وزير خارجية بريطانيا، وجوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي لينتقد تجويع المدنيين، والإيطالي والفرنسي والإسباني، هل استيقظت الدماء الزرقاء اخيرا، على وقع هذا الصمود اوالقتل غير المبرر، ام هل بدأت تكلفة رعاية هذا الكيان المجرم المارق ترتفع، وهذه الأصوات تهمس بالحقيقة، هؤلاء الذين صمتوا دهورا طويلة على هذا الظلم، بل كانوا من المبررين الداعمين وما زالوا، ولكن هذه الهمسة في العرف التاريخي والإجتماعي لها مدلولات كبيرة.

هي بداية امر ما قد يقصر وقد يطول، ولكنها البداية، لم يكن احد يجرؤ على هذا القول حتى في خياله من الساسة، وكانت زلة واحدة كفيلة بنهاية حياته السياسية، وهذا المجنون في البيت الابيض، عجوز احمق الخطى يسير وفق عنجهية وتكبر وازدراء وصلف عجيب، وهو خلط الأوراق والأعداء والأصدقاء، حتى لقد ضج منه القريب والبعيد، وتخرج الأصوات في الكيان تنادي بضرورة إيجاد السبل والوسائل للسيطرة والتحكم به، فهو غير متوقع نهائيا، وقد يأتي بأي فعل تكون له عواقب وخيمة على هذا الكيان.

هل هذا هو الصديق الجاهل، الذي يريد ان ينفعك فيهبدك بحجر تعجل نهايتك لأن ذبابة ازعجتك وانت نائم، طبعا من يستقرىء الاحداث وتتابعها، يدرك ان في الأفق شيئا يقترب، فهذه الإرهاصات تتجمع وتصبح تيارا يضع هذه الفئة وهذا الكيان الخبيث في اطار معين، ويصرف لهم صفات معينة، ويرفع عنهم الكثير من الدعم المعنوي والإنساني والقانوني والدولي، وهو بحسب معطياته مرشح للصمود، ولكن السؤال إلى متى؟

هل هذا هو التتبير الذي تكلم عنه الله في كتابه، لا شك أن يومهم آت، هو آت لا محالة، ولكن كل نهاية لها مقدمات تعجلها او تأخرها، الظروف في بداية القرن كانت تتجمع في مصلحتهم في كل شيء، حتى عندما دخل العثمانيون الحرب مع الألمان، وحتى عندما أستدان السلطان من الغرب الأموال، في الإقتصاد والسياسة، في الحرب والسلم، في التحالفات والمعاهدات كان كل شيء يسير في مصلحتهم.

والأن أرى ان الأمور تتغير بشكل كبير، نعم هناك خسائر كبيرة تكاد تفطر قلب الواحد منّا، ولكن هل نسينا ما قامت به الحربين العالميتين، وحجم الدمار والقتل، البعض يشير إلى أنهم أي جماعة الكيان كانت لهم يد في هذه الحرب، وأقول ربما، الحرب مائدة الجبناء والقتلة وتجار الحروب والضمائر، هؤلاء الذين يقتاتون على دماء الأطفال الأبرياء، والنساء والعجزة، هؤلاء لا يهتمون من هو المنتصر، هم فقط يريدون للحرب أن تستمر، لأن هذا هو مكسبهم الحقيقي، ولو كان يدفع بدماء الأبرياء.

إرهاصات المرحلة القادمة يكتبها الإنقسام الذي يكبر يوما بعد يوم في الكيان، ويكتبها موقف غربي يتشكل بهدوء ولكنه يكبر ويقوى ويرتفع صوته، ولكن أين الموقف العربي الرسمي والشعبي، هل يعاني إحباطا وعجزا وضيق في الأفق، حقيقة أدرك أن تحرك البعض محدود والأخر معدوم والثالث متواطىء، ولكن هل نستطيع ان نرمي الجميع عن قوس واحدة، فهناك من يتبنى فلسطين قضية ويجعل كل منبر له فرصة ليعرض قضيتها، ويستغل كل ظرف ليخفف من معاناتها.

نعم كلنا مقصرون، ولكن المنصف يدرك هذا الذي يحاول من ذلك الذي يحفر تحتها، ذلك الذي في قلبه مرض ايضا معروف، ولكننا بحاجة إلى قليل من الإنصاف، ولكن ما أن تتهيء الظروف والتي أرى أنها أقتربت اليوم أكثر من اي زمن مضى، فهذا الحجم من التضحيات والإخلاص لن يذهب سدى، وهذا ما أرى، أن النهاية باتت اليوم أقرب.

ابراهيم ابو حويله ...