الدروس المستفادة من انقطاع الكهرباء في أيبيريا 2025 وأمريكا 2003

نبض البلد -
د. أيوب أبودية

شهدت اسبانيا والبرتغال فقدان 15 غيغاواط من الطاقة خلال خمس ثوانٍ فقط (حوالي 60٪ من الطلب الوطني لإسبانيا على الكهرباء)، بسبب ظواهر جوية نادرة أدت إلى حدوث تذبذبات في خطوط الجهد العالي واختلالات تردد أدت إلى انهيار متسلسل. ويبدو أن ارتفاع نسبة الاعتماد على الطاقة المتجددة قلل من قصور الشبكة الذاتي (Inertia)، مما أضعف قدرتها على مقاومة الاضطرابات.

كذلك، فإن ترابط الشبكات الكهربائية بين إسبانيا، البرتغال، فرنسا، والمغرب قد عزز تدفق الطاقة ولكنه في المقابل جعل الشبكات أكثر عرضة للانهيارات المتسلسلة العابرة للحدود، مما يستدعي وجود بروتوكولات طوارئ أكثر صرامة.

وقد تسبب الانقطاع بتعطيل وسائل النقل والاتصالات والخدمات الأساسية بحيث اضطرت المستشفيات للاعتماد على المولدات الاحتياطية، وانتشرت الشائعات بسرعة بسبب ضعف التواصل الرسمي. لذا، أكدت الأزمة الحاجة لاستراتيجيات اتصال طارئة فعالة ولوجود بدائل تناظرية (غير رقمية) لأنظمة التحكم الحيوية.

وهناك أيضا الدروس المستفادة من انقطاع الكهرباء في أمريكا الشمالية 2003 حيث بدأ الانقطاع عندما لامست خطوط النقل الكهربائية أشجاراً لم يتم تقليمها، مما أدى إلى سلسلة من الأعطال. فقد أظهرت الحادثة أهمية صيانة البنية التحتية بشكل منتظم وخاصة إدارة الغطاء النباتي تحت خطوط الكهرباء.

وقد تسبب خلل برمجي في غرفة تحكم شركة FirstEnergy بمنع ظهور الإنذارات أثناء الأزمة، مما أدى إلى تأخير الاستجابة. أكدت الحادثة ضرورة وجود أنظمة رصد موثوقة مع نسخ احتياطية لضمان وعي فوري بالحالة الخاصة.

كما أظهر الانقطاع نقص التنسيق بين الشركات ونقص المعايير الملزمة للأمان الشبكي. وقد تم لاحقًا إنشاء معايير إلزامية عبر "هيئة موثوقية الكهرباء في أمريكا الشمالية (NERC)" لرفع مستوى الأمان والمتابعة.

ويظل السؤال: كيف يمكن للأردن الاستفادة من هاتين التجربتين لتجنب كارثة مشابهة؟

يستلزم ذلك تقوية البنية التحتية وفحص وصيانة خطوط النقل الكهربائي بشكل منتظم، بما يشمل إدارة الغطاء النباتي لمنع حدوث تلامس قد يؤدي للانقطاعات. فهل من الصعب إصدار تعليمات بمنع زراعة أشجار باسقة تحت خطوط الكهرباء؟

وأيضا تعزيز أنظمة الرصد والإنذار عبر تركيب أنظمة مراقبة ذكية متصلة بغرف عمليات مركزية مزودة بآليات إنذار مزدوجة لتفادي الأعطال الصامتة.

كذلك تحسين استقرار الشبكة مع اضافات الطاقة المتجددة
مع توجه الأردن نحو التوسع في الطاقة الشمسية والرياح الى نحو 50% من الحمل الكهربائي بحلول عام 2030، علما بأن مشاركة الطاقة المتجددة في الحمل الكهربائي ناهزت 80% في شبه الجزيرة الايبيرية. لذلك يجب إضافة تقنيات تعزيز القصور الذاتي مثل أنظمة تخزين الطاقة (بطاريات ضخمة) أو مولدات استقرار (Synchronous Condensers).

كذلك وضع خطة طوارئ شاملة للطاقة مع إعداد سيناريوهات طوارئ تتضمن إجراءات إعادة تشغيل الشبكة (Black Start)، وضمان جهوزية المولدات الاحتياطية للمرافق الحيوية.

وأيضا تحديث التشريعات والمعايير عبر وضع معايير ملزمة لصيانة الشبكات ومراقبتها وإجراء تدريبات دورية على استجابة الكوارث.

وأخيرا تعزيز التعاون الإقليمي عبر بناء تعاون فني مع الدول المجاورة لتأمين مصادر طاقة بديلة في حال حدوث انقطاعات كبرى، مثل الربط مع السعودية ومصر.


وهذه خطة عمل تفصيلية من 5 خطوات لتعزيز جاهزية شبكة الكهرباء في الأردن استنادًا إلى الدروس المستفادة من انقطاعات 2025 و2003:

الخطوة 1: تقييم شامل للبنية التحتية الحالية

الإجراء:
إجراء مسح شامل لحالة خطوط النقل، محطات التحويل، وأنظمة التحكم.

الأهداف:

تحديد نقاط الضعف الفنية (خطوط قديمة، أجهزة تحكم ضعيفة، ضعف redundancy).

تحديد مخاطر الغطاء النباتي أو الكوارث الطبيعية.

الأدوات:
طائرات بدون طيار (Drones)، أنظمة مسح بالأشعة تحت الحمراء، فرق ميدانية متخصصة.

الخطوة 2: تركيب أنظمة مراقبة ذكية (Smart Grid Monitoring)

الإجراء:
تركيب حساسات ذكية (PMUs – Phasor Measurement Units) لرصد الفولتية، التردد، والتدفق الكهربائي بدقة لحظية.

الأهداف:

اكتشاف الأعطال مبكرًا قبل أن تتحول إلى كوارث.

تحسين الرؤية المركزية (wide-area situational awareness).

التقنيات الداعمة:

مركز تحكم رئيسي محدث (SCADA Modernization).

أنظمة إنذار متعدد القنوات (رؤية صوتية، نصية، آلية).

الخطوة 3: رفع استقرار الشبكة مع الطاقة المتجددة

الإجراء:
تطوير مشاريع لتخزين الطاقة الكبرى مثل:

بطاريات ضخمة (Grid-scale battery storage)

أنظمة استقرار متزامن (Synchronous Condensers).

الأهداف:

تعويض نقص القصور الذاتي الناتج عن مصادر الطاقة الشمسية والرياح.

ولضمان قدرة الشبكة على الصمود أمام التقلبات المفاجئة. يمكن بناء منشأة تخزين بطاريات بقدرة 100 ميغاواط/400 ميغاواط ساعة قرب عمان أو الزرقاء.

الخطوة 4: وضع خطة طوارئ للطاقة وإعادة التشغيل (Black Start Plan)

الإجراء:
إعداد خطة مفصلة لإعادة تشغيل الشبكة بدون الاعتماد على الشبكات الخارجية.

الأهداف:

الحفاظ على جاهزية محطات التوليد القادرة على البدء الذاتي بالتوليد.

تدريب طواقم التشغيل سنويًا على تنفيذ سيناريوهات Black Start.

مكونات الخطة:

قائمة بالمولدات القادرة على البدء الذاتي.

تحديد مسارات الإمداد التدريجي لاستعادة الشبكة.

الخطوة 5: تحديث التشريعات وتعزيز التنسيق الإقليمي

الإجراء:
تعديل القوانين والأنظمة لتشمل معايير إلزامية لصيانة الشبكة ووضع أنظمة عقوبات على الإهمال. وتحضير اتفاقيات تبادل طاقة فوري مع الدول المجاورة، علما بأن ذلك صعب حاليا.

الأهداف:

فرض الانضباط الشبكي (Grid Discipline).

ضمان الحصول على دعم طارئ إقليمي عند الحاجة. وهذه مسألة بحاجة إلى تعمق أكبر في الدراسة.