يارا بادوسي تكتب : انحدار هادئ في قلب الاقتصاد الأمريكي

نبض البلد -

يارا بادوسي

الولايات المتحدة لا تنهار اقتصاديًا بين ليلة وضحاها، لكنها تنزلق بخطى ثابتة نحو أزمة مركبة ومتعددة الأوجه، فمؤشرات السياحة، وسوق العمل، والاستثمارات، وحتى ثقة المستهلكين، جميعها ترسم صورة اقتصاد يتراجع ببطء لكن بثبات.

فقطاع السياحة الأمريكي يتلقى الضربات بحسب بيانات السياحة الدولية للولايات المتحدة التي أظهرت انخفاضًا في نسب السياحة بقيمة 11.6% خلال شهر آذار للعام 2025، وتراجعًا ملحوظًا في أعداد الرحلات القادمة من كندا بنسبة 31.9%، ومن المكسيك بـ23%، ومدن أخرى رئيسية مثل نيويورك وميامي ولاس فيغاس بدأت تشهد أثرًا مباشرًا لهذا التراجع، من انخفاض إشغال الفنادق إلى تراجع عوائد المطاعم والضرائب المحلية.

وفي الوقت ذاته، يشهد الوسط الاقتصادي تهديدًا أخطر يرتبط بسوق العمل وعلى الرغم من وجود نحو 7.1 مليون أمريكي يبحثون عن وظيفة، إلا أن خطر ترحيل ما يقارب من عشرة ملايين مهاجر، الذين يمثلون العمود الفقري لقطاعات حيوية مثل الزراعة والبناء والمطاعم، تنذر بأزمة عمالية خانقة قد تعصف بالاقتصاد الأمريكي من الداخل، وقد تتسبب بفتح فجوة يصعب سدها بسرعة.

أما على صعيد الاستثمارات، فبدأت علامات التراجع تبرز بوضوح، وشركات التكنولوجيا والإنشاءات الكبرى بدأت تتريث في توسعاتها، وعلى سبيل المثال أعلنت شركة "إنتل" الأمريكية تجميد مشروع بناء مصنعين للرقائق في أوهايو بقيمة 28 مليار دولار، عازية القرار إلى "الظروف الاقتصادية غير المستقرة"، في رسالة واضحة مفادها أن رأس المال أصبح أكثر حذرًا.

كما أن ثقة المستهلكين لم تسلم من هذا التراجع، فقد سجل مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك تراجعًا إلى 50.8 نقطة، وهي أدنى قراءة منذ ثلاثة عشر عامًا، وهذا التراجع يعكس زيادة القلق لدى الأمريكيين تجاه المستقبل، وعلى أثره بدأوا يحدون من إنفاقهم، خاصة على الكماليات وهذا ينذر بالمزيد من التباطؤ الاقتصادي.

وطالت التداعيات القطاع الحكومي أيضًا، وشملت تسريح أكثر من 275 ألف موظف حكومي من وظائفهم، وخسارة هذا العدد لا تمثل عبئًا اجتماعيًا فقط، بل تضعف القوة الشرائية لشريحة واسعة تسهم في دعم النشاط الاقتصادي ما ينذر بزيادة أعباء سوق العمل الخاص، ويهدد بتوسيع رقعة البطالة المقنعة.

وفي الوقت الذي بذلت فيه الأسواق الأمريكية جهودًا لاستعادة توازنها، تراجعت الواردات من الصين بنسبة 30% بفعل التعريفات الجمركية والخلافات التجارية المتصاعدة، حتى شركات التجزئة الكبرى وعلى رأسهاWalmartبدأت تطلق تحذيرات صريحة بشأن نقص السلع وارتفاع الأسعار، وهذا مؤشر واضح على أن رفوف المتاجر لن تبقى ممتلئة وأن المستهلك العادي سيدفع ثمن هذه الحرب التجارية في الأيام المقبلة.

وبحسب هذه المؤشرات، فاقتصاد الولايات المتحدة لا يسقط فجأة، لكنه يمضي بخطى ثابتة نحو واقع اقتصادي أكثر قسوة باتباعه لهذا النهج، وتتكاثر الأزمات وتقل الثقة وتتآكل، وهذا سيجعلها تفقد توازنها تدريجيًا، واستمرار هذا الانزلاق دون تدخل فعال قد يحول المشهد من مجرد "انزلاق" إلى أزمة اقتصادية عميقة ستكون مختلفة تمامًا عما عرفها العالم لعقود طويلة.