رسالة العاروري إلى الأردن كأداة لفهم سلوك الجماعة.

نبض البلد -

حاتم النعيمات

يروي أحد نواب جبهة العمل الإسلامي أن القيادي في حركة حماس، صالح العاروري، قد حمّله قبل اغتياله في بيروت رسالة موجهة إلى الدولة الأردنية. العاروري، لمن لا يعرفه، كان مسؤول فرع حماس في الضفة الغربية. ويقول ناقل الرسالة إن مضمونها كان دعوة الدولة الأردنية إلى دعم حركة حماس في الضفة عن طريق دعم إخوان الأردن وذلك لتجنب خطر التهجير. وقد استند هذا الطرح إلى استدلال يرى أن إسرائيل لا تُقدم على التهجير إلا في حالات السلم، وأن الحروب تشكل مانعًا للتهجير!!. لكن هذا استدلال مبني على قراءة خاطئة للبيانات؛ فأكبر عملية تهجير وقعت عام 1948 كانت نتيجة حرب العصابات ضد الشعب الفلسطيني الشقيق. واليوم، نواجه خطر تهجير أوسع في غزة، رغم أنها تعيش حالة حرب مستمرة.

بالتالي، تبدو هذه النظرية خاطئة، خاصة أن السِّلم الذي تجسد في اتفاقية أوسلو أعاد إلى الفلسطينيين سلطة وطنية وأرضًا وسمح بعودة مئات الآلاف منهم. إذن، النظرية التي نقلها النائب، والتي عبّر عن إيمانه بها، هي نظرية متهاوية من أساسها.

من خلال متابعة الشعارات والهتافات والتحركات، يتضح أن جماعة الإخوان المسلمين المنحلة تؤمن بتصور العاروري لعلاقة الأردن مع الضفة، إذ يرى الرجل أن مشاغلة إسرائيل بأسلحة خفيفة وإعطائها ذرائع إضافية هو الخيار الأمثل. وهنا أوضح أنني لا أهاجم مبدأ المقاومة بالمطلق، فهي حق وواجب على كل شعب محتل، لكنني أناقش استراتيجية المقاومة (أي مقاومة وليس فصيل معين) وحساباتها أمام عدو تدعمه أقوى قوة في العالم، وهي الولايات المتحدة الأميركية. أتحدث هنا عن مقاومة راشدة تدرك أن هدفها ليس مجرد إلحاق الضرر بالعدو، بل حماية حياة الناس أيضًا وضمان صمودهم على أرضهم؛ فلا معنى للتحرير بدون بقاء الإنسان.

الإيمان بتلك الرواية "المنقولة” يكشف عن مساحة واسعة من سوء الفهم — على أقل تقدير — لدى جماعة الإخوان في الأردن. كما يثبت أن هذه الجماعة لا تتعامل مع ما جرى في غزة باعتباره كارثة كبرى، بل تسعى، فوق ذلك، إلى تصدير السيناريو ذاته إلى الضفة الغربية، رغم معرفة الجماعة بخصوصيتها بالنسبة للأردن. ولا أبالغ إذا قلت إن هذه الرواية كشفت نظرة الجماعة للأردن باعتباره مجرد ساحة صراع في أفضل الأحوال.

الأردن دولة، ولا تأخذ توجيهاتها من فصائل أو جماعات وهذه ليست إساءة إلى أحد بالمناسبة، بل تأكيد على طبيعة الأمور. وعندما نناقش علاقتنا مع إسرائيل، ينبغي أن يتم نقاشها من منطلق أن الأردن دولة استرجعت معظم حقوقها بعد حروب طويلة عبر معاهدة سلام. هذه هي لغة الدول، أما الانفعال والشطط فهو سلوك الجماعات والمليشيات والأفراد وليس الدول، ولا سيما الأردن.

صحيح أن هناك من يرى أن الصراع مع إسرائيل له أبعاد قومية ودينية — وهذا صحيح جزئيًا — لأن إسرائيل نفسها ترى الصراع بناءًا على هذه الأسس. ولكن، من زاوية المصالح الأردنية، وفي ظل غياب مشروع عربي موحد، وتحول بعض حركات الإسلام السياسي إلى أدوات لمشاريع إقليمية (التركي والإيراني)، يصبح من حق الأردن أن يتصرف وفق مصلحته الوطنية الخالصة.

الكارثة أن نتائج تطبيق الفكر الذي احتوته تلك الرسالة قد ظهرت بوضوح اليوم في غزة: مئات الآلاف من الشهداء والجرحى، احتلال شبه كامل للقطاع، دمار شامل، ومشروع تهجير أصبح مطروحًا بجدية. ولا أعلم إن كان صاحب الرسالة يدرك حجم هذه الكارثة وعواقبها التي ستدفع ثمنها المنطقة لسنوات قادمة.

لهذا كله، تحركت الدولة الأردنية ضد جماعة الإخوان المسلمين (التي تحركها حماس) بهذه الحزم، وحظرتها بعد أن كشفت مخططات أعضائها علنًا يوم الخامس عشر من نيسان الجاري. ورغم أن الجماعة ادعت أن خلايا تصنيع الأسلحة كانت تستهدف دعم المقاومة — وهي رواية تفتقر إلى المنطق — إلا أنها تكشف بهذه "التخريجة" عن غياب الإدراك بخطورة خلق اضطرابات في الضفة الغربية في ظل سيطرة اليمين المتطرف على الولايات المتحدة وأسرائيل، وتثبت أنها لا تملك موقفًا حقيقيًا من التهجير الذي قد تتسبب به الفوضى في الضفة. الأردن اعتبر التهجير إعلان الحرب عليه، بالتالي فإن سلوك الجماعة ومن يواليها هدفه خلط الأوراق والزج بالأردن في حرب لها تكلفتها الباهضة. ومن يتابع سلوك إسرائيل في الساحتين السورية واللبنانية يدرك أن الفوضى وضعف الدولة يخلقان البيئة المثلى لتوسعها وفرض الوقائع الجديدة على الأرض.

ما أطرحه هنا يندرج ضمن محاولة لتفكيك فكر هذه الجماعة، وخصوصًا فيما يخص تصورها للقضية الفلسطينية والتي تحولت بالنسبة لها إلى أداة للتحشيد الجماهيري. لدينا اليوم مختبر مفتوح أمام أعيننا اسمه غزة، ومن نتائجه يمكن فهم كثير من سلوك أتباع الجماعة هنا. ولهذا فإن المواجهة الفكرية معهم ضرورة حتمية، خاصة أن جزءًا من الرأي العام اعتاد أن يهضم أفكار الجماعة بسهولة تفوق هضمه لرواية الدولة.

هناك— للأسف — من نسي أن القضية بالنسبة للأردن هي قضية أمن قومي وليست مجرد اختلاف في وجهات النظر، وأن الدولة لا تقبل بأن تتصرف خارج مصالحها وأمنها مهما كان.