نبض البلد -
أحمد الضرابعة
تحترم الدولة الأردنية خصوصيتها الذاتية، وبالتالي فإن سياستها الداخلية تنبع من حسابات المصلحة الوطنية أولًا، رغم تعدد الضغوطات التي تتعرض لها في كثير من الأحيان، ولذا فإن تفعيلها قرار حل جماعة الإخوان المسلمين لم يأتِ إلا استجابةً لحدث أمني داخلي، وليس انحيازًا منها للمحور المضاد لما يسمى قوى الإسلام السياسي في المنطقة العربية. ففي العقد الماضي، اتخذت عدة دول في الشرق الأوسط قرارات بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب استنادًا لاعتبارات أمنية وسياسية، إلا أن الدولة الأردنية لم تفعل ذلك، ونأت عن التماشي مع أي توجه إقليمي يتعارض ومصالحها الوطنية. فرغم صدور قرار قضائي أردني بحل جماعة الإخوان المسلمين قبل خمسة أعوام، إلا أنها بقيت تمارس أنشطتها طيلة هذه الفترة دون أي مضايقات، مراعاةً للتوازنات المحلية، إلى أن تم الكشف عن ضلوع عدد من عناصرها في مخطط إقليمي يمس الأمن الوطني الأردني، حينها تبين لصناع القرار أنه لم يعد مبررًا التغاضي عن أنشطة الجماعة السياسية والعسكرية حتى وإن كلَّف ذلك القيام بتغييرات جذرية في المشهد الأردني.
العلاقة التاريخية بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين كان لها ظرفها الموضوعي ومبرراتها السياسية القابلة للانتفاء في مرحلة ما، ولم تعد اليوم سوى مثالًا حيًا على أبلغ ما قاله ثعلب السياسية الإنكليزية ونستون تشرتشل: "في السياسة، ليس هناك صديق دائم، ولا عدو دائم، وإنما هناك مصالح دائمة". يؤكد ذلك الإسلاميون أنفسهن، عندما يستعرضون دورهم في مواجهة المد الشيوعي الذي كان يشكل خطرًا على الدولة الأردنية، فهم يرون ذلك عملٌ له ثمنه السياسي، وليس واجب تفرضه عليهم قيم الوطنية، رغم أن الدولة الأردنية اعتبرتهم مكونًا سياسيًا واحتوتهم في كل مرة لوحقوا فيها من أي نظام أو توجه إقليمي للإطاحة بمشروعهم السياسي، مستفيدين من حكمتها في الحفاظ على التوازنات الوطنية أكثر من غيرهم.
يدشن تفعيل قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين، مرحلة سياسية جديدة، سيسبقها على الأرجح قرارات حاسمة أخرى لتنظيم الساحة الأردنية ومنع استغلالها من أي قوة سياسة تعمل بالأجرة في خدمة مشاريع سياسية خارجية.
أخيرًا، الدولة الأردنية ليست في صراع مع تيار سياسي محدد وليست لديها مشكلة مع اللونين الأخضر أو الأحمر، فهذان اللونان لهما دلالاتهما في العلم الأردني، ولكنها بعد اليوم، لن تتسامح مع أي تيار سياسي يرى الأردن ساحةً أو مسرح عمليات أو حديقة خلفية، لا دولةً وطنيةً مكتملة الأركان وذات سيادة تامة وحريصة على مصالحها الوطنية، وليكن هذا بلاغ لكل من يهمه الأمر !