الأردن وسقوط المشاريع الأيديولوجية: كيف انتصرت الواقعية السياسية؟

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

منذ تأسيس الدولة الأردنية، لم تنقطع المؤامرات التي تُحاك ضدها تحت عناوين أيديولوجية عديدة، فهي ما تُزال في المنظور الأيديولوجي للكثيرين، قطعة من جغرافيا مُتَخيلة تحكمها أيديولوجيا عاجزة عن استيعاب الواقع ومتغيراته، وبالتالي، فإن الكشف عن خلايا تعمل على تصنيع الأسلحة والمُسيرات، يُعتبر عرضًا جانبيًا لمشكلة لا بد من معالجة جذورها.

جرّب المؤدلجون في الأردن فرض مشاريعهم بكافة السبل، سواء بالانصهار داخل بُنية الحكم أو بالتمرد عليها، ومع ذلك أخفقت كل محاولاتهم، وهذا مردّه إلى أن الدولة الأردنية، منذ تأسيسها، تبنت نهجًا يقوم على الواقعية السياسية، مما مكنها من إلحاق الهزيمة بكل خصم لها، بهدوء في معظم الأحيان، وحزم وبأس شديد نادرًا، سواء أكانت غايته الإطاحة بها، أو إلحاقها بدولة أخرى، أو تغيير شكلها السياسي ليصبح ملائمًا لتصوره الأيديولوجي، وكانت من أبرز علامات نجاحها في ذلك، هي قدرتها على ترويض أشرس المعارضين واستيعابهم.

انتهى المطاف بجميع المؤدلجين الذين سعوا في الأردن لتحقيق انتصارٍ للقومية أو الشيوعية أو أي تنظيم وفكر إسلاميّ انتموا إليه، على حساب وطنهم، بهزائم على كافة المستويات. أول هزيمة لحقت بهم، كانت أخلاقية؛ عندما قرروا النظر لبلادهم من نوافذ الآخرين. أما الهزيمة الثانية التي تلقوها، فكانت فكرية؛ حين أدركوا ماذا حل بهم بسبب انفصالهم عن الواقع وإصرارهم على إنكار ذلك. الهزيمة الثالثة كانت سياسية؛ لأن أساليبهم لتحقيق مشاريعهم تعتمد على مستويات الجهل في الفضاء الاجتماعي.

من المهم، تحرير أتباع الأيديولوجيات من الأوهام السياسية التي يُعلقون بها، حتى لا يكونوا ضحايا لمشاريع لا مجال لتنفيذها في عصر الدولة الوطنية الذي فرض نفسه بقوة كإطار حاكم للتفاعلات السياسية والاجتماعية، وهذا يتطلب الالتزام بالواقعية السياسية وتجاوز الشعارات والأفكار المثالية التي لم تعد قادرة على مواجهة تحديات الواقع المعقد.

وأخيرًا، لم تعد الأفكار الكبرى والتوجهات العقائدية والشعارات العملاقة قادرة على فرض حضورها في الفضاء السياسي أو الاجتماعي؛ لأن عصر الأيديولوجيات التي اعتاشت على الصراع والتجييش العاطفي شارف على الانتهاء، فلم يعد بوسع أي كيان سياسي أن يحتكر إدارة الرأي العام وتعبئة الجماهير باتجاه محدد، رغم وجود مجموعات بشرية ما تزال عُرضة للاستغلال لأسباب متعددة، ولكن ما تجدر الإشارة إليه، هو أن المدرسة البراغماتية، والواقعية السياسية، ما تزال قادرة على إسناد منتسبيها وتثبيت جذورهم رغم العواصف الأيديولوجية التي يتعرضون لها بين الحين والآخر. أما التعالي عن الواقع، لن يجعل الأيديولوجيات تتراجع فحسب، وإنما سيؤدي لعزل أصحابها في دائرة مغلقة، بلا دور أو تأثير سياسي، مع غياب تام للجدوى من كل ما يفعلونه!