الأردن في مواجهة اللا يقين

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

يواجه النظام الدولي أزمة في قدرته على مواكبة التغييرات الجوهرية في مركزه وأطرافه، وهو ما يترك آثارًا متفاوتة العمق، خصوصًا لدى الدول النامية التي تجد نفسها باستمرار، عُرضة للتأثر في سياسات الدول الكبرى لإعادة تعريف أدوارها وضبط توازناتها الداخلية والخارجية، وهو ما يضع هذه الدول في دائرة اللا يقين، حيث تجد نفسها غير قادرة على التنبؤ بمسارات المستقبل، وسط تغيرات متسارعة في محيطها الإقليمي.

 

بدأت هذه الأزمة في المنظور الأردني منذ انهيار النظام الإقليمي وسيادة منطق اللا دولة، حيث أدى ظهور الكيانات غير الشرعية لتآكل السيادة الوطنية، وإعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط، حتى انهارت معادلات القوة الإقليمية؛ فلم تعد ممارسة العنف عملية منظمة وخاضعة للقانون وتحتكرها الدول، بل باتت تُمارس بشكل عشوائي من قبل الجماعات المسلحة التي فرضت نفسها بالدعم الخارجي، حتى أصبحت بديلًا للسلطات الرسمية في دولها، وهو ما جعل الوزن الاستراتيجي للعرب أقل مما كان عليه في السابق، وهذا أنتج واقعًا سياسيًا معقدًا، في ظل صعود المشاريع الإقليمية المعادية في المنطقة العربية.

 

منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حدثت الكثير من التغييرات الجذرية في الشرق الأوسط على نحو غير متوقع، وهو يطرح سؤالًا حول مضمون النتيجة النهائية بعد استكمال التغييرات التي يتم الحديث عنها أميركيًا، وإسرائيليًا.

 

وكذلك فإن سياسات ترامب في ولايته الرئاسية الثانية، وقراراته المفاجئة، لا تعيد بناء مظهر الولايات المتحدة الأميركية الدولي، وأدوراها في أقاليم العالم المختلفة فحسب، وإنما تحث الدول المرتبطة بها قبل خصومها على البحث عن مخارج من الأزمات التي تصدّرها الإدارة الأميركية لها، والتي تلقي بظلالها السلبية على أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي تضعها.

 

هذه السياسات الأميركية التي تتسم بالتقلب وعدم الاتساق، من المحتمل أن تتسبب في حدوث خلافات وانقسامات في التحالفات الدولية، فالدول، حريصة على استقرارها وتوازنها الداخلي، وهو ما أصبح مهددًا نتيجة القرارات الصعبة التي يتخذها الرئيس الأميركي ترامب وفقًا لحسابات منقوصة، وهو ما يخلق بيئة من اللا يقين السياسي والاقتصادي.

 

هذه الأزمة لا تقتصر على دولة محددة، وإنما لتشمل جميع دول العالم، في ظل تعدد الصراعات في مختلف القارات والأقاليم، وهو ما يعني أن النظام الدولي يمر في مرحلة انتقالية، ليتم تشكيله بأنماط سياسية واقتصادية جديدة، وهو ما يجب أن يدفع الدول لمراجعة سياساتها الداخلية والخارجية بحثًا عن طرق للتكيف مع الواقع الجديد.

 

بالنسبة للأردن، فإنه لا بديل عن المضي بمسارات التحديث الثلاثة، مع إجراء مراجعة دورية مستمرة لكل مسار منها، والتركيز على تنويع مصادر الدخل وتحفيز الاستثمارات المحلية والدولية، وتعزيز مناعة الاقتصاد الوطني في وجه التقلبات العالمية.