د. أيوب أبودية يكتب :لماذا جمهورية إيرلندا من أكثر دول العالم تعاطفًا مع القضية الفلسطينية

نبض البلد -
لماذا جمهورية إيرلندا من أكثر دول العالم تعاطفًا مع القضية الفلسطينية
د. أيوب أبودية
تُعتبر جمهورية إيرلندا واحدة من أبرز الدول التي أظهرت تعاطفًا كبيرًا مع القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية. اذ يمكن فهم هذا الدعم من خلال عدة عوامل تاريخية وثقافية وسياسية، والتي تتداخل لتشكل الموقف الإيرلندي المساند للفلسطينيين في نضالهم من أجل حقوقهم الوطنية.

1. التجربة الإيرلندية مع الاحتلال البريطاني

إيرلندا تعرضت لقرون طويلة من الاحتلال البريطاني، حيث عانت من القمع والظلم والتمييز، وهو ما جعل الشعب الإيرلندي يتفهم معاناة الشعوب الأخرى التي تعاني من الاحتلال. على مدار 800 عام من الوجود البريطاني في إيرلندا، شهد الشعب الإيرلندي العديد من الممارسات القاسية مثل التهجير القسري، والتجويع، والقتل الجماعي، وهو ما يعكس حالة من الظلم الكبير مشابهة لما يعانيه الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي. ومن زار السجون في دبلن والمعرض الموجود هناك يفهم ما نقول.

وقد أدى ذلك كله إلى تشكيل وعي جماعي في المجتمع الإيرلندي بأهمية دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها وإنهاء الاحتلال. وقد تجسد هذا الوعي في موقف إيرلندا الواضح ضد الاحتلال الإسرائيلي وتضامنها مع الشعب الفلسطيني في محافل عديدة.

2. القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية

إيرلندا، مثل العديد من الدول الأوروبية، تعتبر أن القيم الإنسانية الأساسية مثل العدالة والمساواة وحقوق الإنسان يجب أن تكون في صميم السياسة الدولية. وقد تبنت إيرلندا منذ استقلالها مواقف مناصرة للحقوق الإنسانية في جميع أنحاء العالم. لذا، فإن القضية الفلسطينية، التي تتعلق بحق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير، تتناغم مع القيم التي تروج لها الحكومة والمجتمع الإيرلندي.

فإيرلندا تعتبر أن الشعب الفلسطيني، مثل باقي الشعوب الأخرى، له الحق في العيش بحرية وكرامة بعيدًا عن الاحتلال والتمييز. وهذا الموقف يعكس إيمانها القوي بعدالة القضية الفلسطينية، الذي يجعلها من أكثر الدول تعاطفًا مع هذا الصراع.

3. التأثير السياسي المحلي والمجتمع المدني

على الرغم من أن إيرلندا دولة صغيرة نسبيًا، وربما هذا يكون أحد الاسباب أيضا، فإن لها تأثيرًا كبيرًا في المجتمع الدولي على صعيد حقوق الإنسان. وقد تجسد هذا التأثير في موقفها المؤيد لفلسطين من خلال دعم المبادرات الدولية التي تعزز حقوق الفلسطينيين. على سبيل المثال، كانت إيرلندا من بين الدول التي دعمت الاعتراف بفلسطين كدولة في الأمم المتحدة، كما أنها تدعو باستمرار إلى تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي يلعبه المجتمع المدني الإيرلندي في هذا السياق. فهناك العديد من المنظمات والهيئات الإيرلندية التي تعمل على دعم حقوق الفلسطينيين، سواء من خلال جمع التبرعات للمساعدة الإنسانية أو من خلال رفع الوعي حول معاناة الفلسطينيين عبر الحملات الإعلامية والتظاهرات.

4. المواقف السياسية للحكومة الإيرلندية

الحكومة الإيرلندية تتبنى سياسة خارجية تتسم بالتعاطف مع قضايا الشعوب المظلومة. وهذا يعود أيضا الى طابعها الديمقراطي، ومنذ سنوات، تبنت إيرلندا سياسة غير معترف بها من قبل بعض الدول الأوروبية الكبرى وهي سياسة التضامن مع الفلسطينيين ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي. اذ قامت الحكومة الإيرلندية بفرض حظر على استيراد بضائع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو موقف يعكس التزام إيرلندا بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.

5. التضامن الشعبي والثقافي

التعاطف الإيرلندي مع القضية الفلسطينية لا يقتصر فقط على السياسة، بل يمتد إلى الشعب والثقافة الإيرلندية بشكل عام. فهناك روابط ثقافية وشعبية بين إيرلندا وفلسطين، حيث أظهرت الحركات الشعبية الإيرلندية في العديد من الفترات تضامنًا مع الشعب الفلسطيني. هذا التضامن الشعبي يعود إلى التقاليد الإيرلندية في دعم الحركات التحررية حول العالم، وهو ما جعل قضية فلسطين تحظى بدعم واسع من الأفراد والهيئات غير الحكومية.
كذلك دعم بعض العرب بشكل عام قضايا ايرلندا في مواجهة الاضطهاد الانجليزي، ولم ينسى الايرلنديون ذلك.

ختاما نقول إن تعاطف إيرلندا مع القضية الفلسطينية يعكس التقاء عدة عوامل تاريخية وسياسية وإنسانية. فقد جعلت تجربتها مع الاحتلال البريطاني على مدار قرون من إيرلندا دولة تشعر بمسؤولية تاريخية وأخلاقية لدعم القضايا العادلة في العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لذلك، فإن موقف إيرلندا من القضية الفلسطينية يمثل رمزًا للتضامن الدولي مع الشعوب المظلومة في سعيها للحرية والعدالة.