نبض البلد - الأشهر الموشكة على الأفول قبل انقضاء مهلة السماح المقررة في قانون التنفيذ الاردني، ودخول أحكام المعدلة حيز النفاذ، بين تأييد وتحفظ حول مدى فاعلية إلغاء الحبس، اخذ النقاش بهذا الشأن من الوقت ما يكفي و تردد صداه في ساحات الرأي والاجتهاد حتى استوفى كل زاوية بحث وتدقيق، فلا طائل من اجترار ما نوقش واستُوفي، فالتكرار لا يزعزع الثوابت، ولا ينقض المسلمات، إذ تنطق الحقيقة بأن هذا التعديل لم يخرج عن عباءة الدستور الأردني، والتزامات الأردن الدولية، على أن في طيات الأمر زاوية حان أوان سبر اغوارها.
استجابة لصوت المنطق والإنصاف، وإدراكا بأن المدين المعسر ليس مجرما، وأن العدالة الحقيقية لا تكمن في الأصفاد، بل في إيجاد حلول تحفظ الحقوق دون أن تسلب الحرية، جاء هذا التعديل متماهيا مع ما ارتضته الاردن من معاهدات دولية، ليتماشى مع قاعدة اصلتها المواثيق الدولية، وجعلته من ثوابت العدالة، أن الحرية لا ترتهن بتعذر الوفاء بالالتزامات التعاقدية، ولا يكون الحبس سبيلا لانفاذ ما تعثر باليسر والاختيار، إلا أن هذه القاعدة انحصرت في دائرة الالتزامات التعاقدية، دون ان تمتد ظلالها الى تنفيذ الأحكام المالية الاخرى، ومع ان التشريع المعدل تماهى مع مدار هذه القاعدة الدولية، ونص صراحة على بقاء الحبس في بعض الأحكام ومنها التعويض عن الأضرار الناشئة عن جرم جزائي و غيرها، إلا أن نوعا بعينه من الأحكام ظل معلقا في الفراغ، لم يجد في نصوص القانون موطئ تنفيذ.
استلهاما من كون الجريمة لا تعني فقط اختلال ميزان العدالة الجنائية، بل أيضًا زلزلة حقوق الأفراد، فميزان الحماية الجزائية يتأرجح بين الجزاء والجبر، فإن العدالة تتحرك بأناة، توازن بين العقوبة لردع الفاعل وتهذيب المجتمع والتعويض لا بالمعنى الحسابي بل محاولة لرأب الصدع في نسيج العدالة ولو بوسيلة لا ترد الضرر إلى العدم، فيضمن أن يكون للقانون أثرا ملموسا في حياة الضحية، وبذلك يكون الجبر امتدادا للردع كظل لا ينفصل عن أصله، فإستثناءه من إلغاء الحبس فى التعديل الأخير لنصوص قانون التنفيذ، سواء فُصل فيه ضمن الدعوى الجزائية أو تقرر على يد القضاء المدني مستندا على الحكم الجزائي هو تثبيت لجذر العدالة في تربة الإنصاف.
لكن متى انحسر الأصل اضمحل الظل، وتلاشى من ساحة الحماية الجزائية، فليس كل فعل يجرّمه القانون يولد إدانة، القضاء الجزائي لا يحكم إلا بما ثبت أمامه بالدليل القاطع، إذ تبقى العدالة رهينة إثبات وقوع الفعل المجرم ونسبته إلى فاعله، أو قيام سبب من أسباب إباحة، قد يجعل الفعل وإن كان مجرما بمنأى عن العقاب، وقد تترنح الدعوى الجزائية بين قيود الإسقاط الشخصي في التي الجرائم تُبنى على شكوى أو ادعاء بالحق الشخصي، فتنقضي الدعوى الجزائية كما تنطفئ النار بعد إطفاء فتيلها، وقد تطوي الايام بساط الحق قبل أن يبلغ مراده، فالحماية الجزائية لا تنتظر الأبدية فتذروها رياح التقادم، وقد يعترضه قيد على ندرة وقوعه لكنه لا يُنفى فيتلاشى الحق في غياهب العفو العام قبل أن يرى نور العدالة، وأن إجتاز هذه العوائق، قد يتبدد في ظلال الشك لانتفاء ما يثبت القصد الجرمي، فيجد المتضرر نفسه أمام حقيقة قانونية صارمة، لم يعد بإمكانه تحريك الدعوى الجزائية، فلا يبقى للجبر الا ان ينشد موطئا في رحاب المسؤولية المدنية ما لم يعترضها ما ينفيها.
وفي سياق مترابط.. تتجلى المسؤولية المدنية في صورتين متباعدتين كضفتي وادٍ سحيق…
إحداهما المسؤولية العقدية وهي الابنة الشرعي لإرادة الأطراف، تولد من رحم التوافق، و تنشأ على أسس رسموها بأنفسهم، فلا يملى عليهم إلا ما خطته أيديهم، ولا يفلتون مما أقروه، كقيد على ذممهم المالية حتى تبرأ، بذلك تكون الدعوى الناشئة عنها هي ثمرة الالتزام، يكفي فيها إثبات وجود التزام على عاتق الذمة المالية ليقر حق مطالبة بالتنفيذ أو التعويض عما لا استحال تنفيذه، وكأن العقد في ذاته هو شهادة ميلاد الالتزام، والقانون هو الحكم بين الطرفين.
والأخرى مسؤولية تقصيرية ولدت من رحم الخطأ و الخطيئة، بلا عقد يؤطرها، ولا ذمم مالية ترتضيها، ولا ترابط إرادة ينجبها، بل يكفي ارتكاب الفعل الضار بإرادة احد اطرافها او اهماله الجسيم، لتنشأ كالتزام بجبر كسره، فالخطأ أصلها، و الضرر مهدها، والتعويض محاولة لاستعادة الحد الأدنى من العدالة والإنصاف، وبذلك تكون الدعوى التي تنشأ عنها هي ثمرة العدالة، تستوجب إثبات أركانها الثلاث، الفعل، والنتيجة والعلاقة السببية، لينشأ حق مطالبة بالتعويض، حيث لا يُفترض التزامٌ مسبق، بل يُنشأ الالتزام بحكم الضرر نفسه، مما يجعل الإثبات أكثر تعقيدا، ويلزم المدعي ببيان كل حلقة في سلسلة المسؤولية حتى لا يختلط الفعل بالقدر، أو الجريمة بالحوادث العارضة، التعويض عن هذه المسؤولية وإن كان في ظاهره ماليا بحت، إلا في جوهره قيم تتصل بمسؤولية أخلاقية واجتماعية أعمق، والقانون يكون رقيبا على الأفعال التي تسبب الضرر.
يعد الفرق بين الالتزام التعاقدي والفعل الضار أحد أهم الفروقات في الفكر القانوني، إذ إن كلا منهما يمثل منبعا مختلفا للمسؤولية القانونية، ومع ذلك يبقى جوهر الفرق بينهما يمتد ايضا الى طبيعته وآثاره ومدى ارتباطه بالذمة المالية، فبينما الالتزام التعاقدي، يرتكز على الذمة المالية، فإن الفعل الضار يُبنى على مسؤولية قانونية أوسع، قد تتجاوز الذمة المالية إلى العقوبات المدنية أو الجزائية في بعض الحالات.
وبعد أن ألقينا الضوء على ملامح الصورة، نعود إلى ما تركه القانون المعدل في الظل، فقد قرر المشرع إلغاء الحبس في الالتزامات التعاقدية مهما كانت قيمتها، مستثنيًا منها عقود الإيجار والعمل، لكنه وقف عند هذا الحد، صامتا، وهذا الصمت، في ميزان العدالة، ليس حيادا، بل هو ثغرة تنفتح على تأويلات متضاربة، تغرق النص في بحر الاجتهادات المتناقضة.
ترك هذه الفجوة الرمادية بين النصوص، آثر الإيحاء على البيان، والتلميح على التصريح، تاركا خلفه هامشا من التحليل، فإما أن يكون المشرع قد تبنى ضِمنا قاعدة، مفادها أن جميع الأحكام الصادرة عن المحاكم الحقوقية ناشئة عن الالتزامات التعاقدية، فيلغى الحبس اجمالا وتفصيلا في جميع الأحكام المالية المدنية، باستثناء ما نص عليه صراحة، وإما أنه أغفل هذا التحديد، تاركا الأبواب مشرعة أمام الفوضى التفسيري، واما أن المشرع لم يكن غافلا أو صامتا عبثا، بل تعمد أن يترك الباب مواربا، والحبس في أحكام المسؤولية التقصيرية رهين الاجتهاد، ترك مسألة بهذا الحجم دون حسم تشريعي، بعد أن أغلق باب الحماية الجزائية في وجه الضحية و فقد الجزاء، ولجأ الى الحماية المدنية، مجبرا على الاكتفاء بالجبر، فوجه ساحة المسؤولية التقصيرية عن الفعل الضار، إلا أن التوجه كان بلا بوصلة.
إذا حاولنا إخراج المسؤولية التقصيرية من دائرة إلغاء الحبس، وزجها في دائرة الاستثناء تحت ذريعة اعتبارها تعويضا عن جرم جزائي، فإننا نقترف بحق القانون إثما لا غفران فيه، وزلة لا نبرأ منها، لأن القاعدة الراسخة في القانون تقضي بأن الأفعال لا تكتسب صفة التجريم إلا بعد صدور حكم قضائي لا وبل قطعي، وذلك بعد أن يكون كل من الطرفين قد استنفد حقه في الادعاء والدفاع، وفقًا لمبادئ المحاكمة العادلة.
وإذا اعتقد البعض بأن المشرّع في تعديله الأخير قد يكون أراد هذا الاتجاه، بحيث يكفي أن يثبت المتضرر الفعل الضار في الدعوى المدنية ليعتبر الجرم ثابتا، هو قول يحمل في طياته خرقا فادحا للمنظومة الجزائية المستقرة، وانتهاكا صريحا لمبادئ لا تقبل التأويل ولا تحتمل التعديل بالصمت أو الإيحاء، فأعمدة العدالة الجزائية لا تقوم على مجرد الضرر، بل على الانتهاك الصريح لنص تجريمي محكم، والقاعدة الذهبية تقتضي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فلا يفترض الجرم من واقع الضرر، ولا يجعل من المسؤولية التقصيرية مطية لتجاوز مبدأ الشرعية الجنائية، الذي يوجب أن يكون لكل جرم نصّ واضح يحدده، وحدّ معلوم يعاقب عليه.
إذا فتح باب الاستثناء من إلغاء الحبس أمام المسؤولية التقصيرية، بمفتاح التعويض عن جرم جزائي كانت محاولة طرح مغلقة، فهو مس بالدستور، وانحراف عن روح العدالة، وإقحام للنظام العام في متاهة من التأويلات الخطيرة، حيث يتحوّل الفعل الضار إلى جرم بمجرد تقدير المحكمة المدنية، فيصبح القضاء المدني أداة لإنتاج التجريم بأثر رجعي مبطن، وفي هذا زلزال قانوني يهدد أركان الشرعية، ويحول التجريم من سلطان النصوص إلى اجتهادات، ومن حدود القانون إلى أهواء التفسير، وذلك انحراف لا يغتفر في ميزان العدالة.
في مسار مختلف، ومحاولة استيعاب المسؤولية التقصيرية ضمن مفهوم الالتزام العقدي، فقد تبدو الأمور بالصورة الكبيرة للمشهد أن ثمة نقاط تلامسية كثيرة، الا ان الإنصاف ومنطق العدالة يقتضيان أن لا يرى نقطة التقاء بين من مد يده مختارا، وذلك الذي كُسرت يده رغما عنه، فبينما يرتكز الالتزام التعاقدي على مبدأ "الرضائية والالتزام الحر”، ترتكز المسؤولية التقصيرية على "الإصلاح والإلزام”، فكيف نساوي بين من أقدم مختارا، وما بني على تجاوز الحقوق، وكأن القانون يقوم على التمييز بين مصادر الالتزام، عبثا وترفا نظريا، في حين أنه في تمييزه كان يعي تماما الفارق الجوهري بين من خسر في صفقة تجارية، وبين من سلب منه حقه، سواء بضرر أصاب ماله، أو جرح طال جسده او سمعته وكرامته.
وحين رسم المشرع الالتزام، كانت ملامح التعويض واضحة، بالنظر إلى ان الفعل ضررا يتعدى الذمم إلى الأجساد، يصبح التعويض مسؤولية قانونية تحمل في جوهرها بعدا أخلاقيا واجتماعيا، لا يقاس بمدى الجرح وحده، بل بمدى الحاجة إلى رأب الصدع، ولو كان مجرد إحساس بأن العدالة لم تترك المظلوم خالي اليدين، فالعدالة ليست في القصاص وحده، بل في أن يشعر المتضرر بأن ما فُقد لم يذهب هباء، بل عاد إليه ولو بميزان آخر، فالتزام الفاعل بالمسؤولية التقصيرية هو جبر جزء مما أفسد، لا تطهيرا لذمته المالية فقط، في حين أن التزام المتعثر في الالتزام التعاقدي هو التزام مالي بحت يترتب على ما نتج عن تعثره أو تأخره أو تخلفه عن التزامه التعاقدي من ضرر.
فروقات الجوهرية بين الالتزام التعاقدي و المسؤولية الجزائية، تجعل من فكرة إسقاط الأحكام التنفيذية القضية بإلغاء الحبس بالالتزامات التعاقدية على المسؤولية التقصيرية، تنطوي على تغيير مبطن في بعناصر المسؤوليات ومصادر الالتزام وما يترتب عليها من أحكام، ويعيد رسم الخطوط الفاصلة بيد اجرائية غير ابهة بما اجتره قلم المشرع الموضوعي من أحكام، بلمسة أخفت الفوارق بين من أقدم على الالتزام بمشروعية وإرادة ومن أقدم بتعدي وتجاوز، وأعادت تعريف الألم بلغة الأرقام؛ بحيث لن تكون أكثر من دين عالق في دفاتر الحسابات، مفرغا محتواه من صفته الجبرية، فيمحي ملامح المتضرر ويرسم له وجه الدائن التجاري او المالي، بدلا من أن يكون ضحية ضرر يسعى لاسترداد حقه، مما يجعل المسؤولية التقصيرية عن الفعل الضار كمصدر للإلتزام، ضمانة ضعيفة بلا مخالب، حقا بلا سيف، لن يقف الأمر هنا بل انه إذا ألقى سيف الحبس جانبا، وأخرج التزامات نشأت عن الفعل الضار من دائرة التنفيذ القهري، سيجعل الوفاء بالالتزام أقرب إلى خيار أخلاقي حر منه إلى واجب قانوني، فيجمع الفاعل بين التسبب بالضرر والتهرب من التعويض تاركا المتضرر في دائرة انتظار قد لا تنتهي، كمن أشعل الحريق وترك الرماد يتكفل بما بقي، هنا تظهر أهمية الحبس بالمسؤولية التقصيرية كضرورة لا عقوبة، أي أن روح العدالة، تقتضي أن يعامل التعويض الذي في جوهره جبر، وكأنه ظل يتبع الأصل، فإن سقط الأصل في ساحة الجزاء، امتد الظل في ميدان المسؤولية المدنية، فلا يستوي أن يعامل كالالتزام المادي المترتب في ذمة المتعثر في التزام تعاقدي، ولا أن يقيد اسم المتضرر في سجل القضايا التنفيذية إلى حين فرج، والأ اصبح أثر حي لما يمكن أن يفعله الظلم حين يفلت من كوابح العدالة، فالحبس هو الحدّ الفاصل بين الحرية والمسؤولية، صوت القانون حين يصم البعض آذانهم عن الوفاء، وكلمة العدل حين يتحول الالتزام إلى عبء يلقى بعيدا دون خوف من تبعات حيث، فيجب أن تفتح أبواب الزنازن حين لا يلتزم المخطئ بجبر أثر أذاه، لردعه كأداة لضمان احترام القانون، فهناك من لا يردعه إلا القيد، ومن لا يعيد الحقوق إلا حين يشعر بثقل القضبان، مع بقائه محصورا حيث يتطلبه تحقيق العدالة.
فيوجب عليه التعويض عما نتج عن فعله، كيدِ قانون تتدخل لتعيد توازن المتضرر منطويا على اعتراف بأن الضرر لم يكن عابرا، وبأن العدالة لا تكتمل إلا حين يعاد للمتضرر شيء مما سُلب منه، لأن الإنصاف ليس مجرد عقاب، بل جبر يعيد للحياة توازنها.
فكما أدرك المشرع أن الذمة المالية هي ساحة الوفاء، لا القضبان وان حبس المدين في التزام تعاقدي أشبه بمطرقة تهوى على رأسٍ مثقل بالأعباء اساسا، فتحطمه بدل أن تستخرج منه الوفاء، فكما أنه لا يمكن تحميل شخصا وزر غيره، فإنه أيضا لا ينبغي أن يحمل الجسد ما تعجز عنه الذمة المالية، كان يتحتم عليه أن ينتبه حين خطى طريقه باتجاه إلغاء الحبس في الالتزامات التعاقدية، بخطى دستورية منسجمة مع مبادئ القانون الدولي التي ترى في التنفيذ المالي التزاما خالصا بالذمم المالية، كان عليه ان ينتبه أن لا يخطو خطوة عكسية باتجاه ثقب رمادي، متجاهلا أن ما استند عليه بداية من الدستور وصولا إلى المواثيق الدولية ذاتها تقر بأن التعويض عن الفعل الضار ليس مجرد التزام مالي ولا هبة ولا منّة، بل واجب قانوني لجبر الأذى يعكس مسؤولية لا يمكن الإفلات منها، وإلا تحول القانون من درع يحمي الإنسان، إلى نص معلق بلا أثر.
الإنسان، كائن مستقل وذو كرامة لا بد أن يُحاط بالحماية القانونية التي تضمن له العيش بسلام وأمان، بعيدا عن أي مساس أو تعد، كي لا يتسرب إليه الضرر أو التلف، حماية حقيقية لا مجرد نصوص موضوعية قانونية تسن و نصوص تنفيذ تقيد، فروح العدالة تقتضي اعتبار أي اعتداء على حقوق الفرد تجاوزا صارخا للحدود التي رسمها القانون ويدخل في إطار الأفعال التي تعد جريمة وخروجا عن مسار الحياة الآمنة التي لا بد أن يسير فيها كل فرد، هذه الحقوق و غيرها لها في الدستور الأردني جذر ثابت، وهو بذلك، متوافقا مع حماية المواثيق الدولية للإنسان، التي تشبهه شجرة غرسها العالم المشترك، فكلما حاول أحدهم قطف ثمرة من تلك الشجرة، وجد نفسه يحاكم من قبل العدالة الكونية التي لا تقبل تهاونا في الحفاظ على حقوق الإنسان، وأن الحماية القانونية للإنسان تمثل أرضية أساسية تستند إليها العدالة، مثلما تستند الجبال إلى جذور عميقة في الأرض، والصمت في هذا الموضع الدقيق يترك الإنسان بهذا الموقف بحماية بلا أنياب؛ يُمنح ضمانات كاملة لحقوقه لكنه لا يجد آليات حازمة تكفل تنفيذها وحين تترك الضمانات رهينة للتقدير، تصبح أقرب إلى ظل يتلاشى مع أول اختبار حقيقي.
التشريع الأردني، أرسى الدستور دعائم الحقوق والحريات، فجعلها مقيدة بالعدل ومصونة بلا تجاوز، فكان الأساس الذي شيدت عليه القوانين كأسوار تحمي الحقوق من الضياع وحُصون تصون العدل من الجور، وجاءت التشريعات بتفرعاتها المتكاملة لتُحكم بنيانها، فمنها ما يحفظ الحقوق الشخصية والمالية ويعيدها الى أصحابها كالقانون المدني، ومنها ما جاء لردع المعتدي ويصون النظام العام كقانون العقوبات، ويتمثل قانون التنفيذ كقنطرة تعبر بها الحقوق من سطور الأحكام إلى ساحة الإلزام، فيجب حتما ان يكون حصنا منيعا، بلا ثغرات تضعفها التفسيرات، وتترك المظلوم بلا سلاحٍ قانوني، والا فلا مجال لاعتبارها امتدادا حقيقيا لنصوص الدستور، بل قد تتحول بمرور الوقت إلى نقيضه الصامت.