السير دون
ماكلين وجيمس ناكتوي يرويان تفاصيل التأثير
العميق لعملهما وسط الأزمات المستمرة
في اليوم الأخير من النسخة التاسعة للمهرجان الدولي للتصوير "اكسبوجر 2025"، خيم الصمت على الحضور بينما اعتلى اثنان من أعظم مصوري النزاعات في العالم، السير دون ماكلين وجيمس ناكتوي، المسرح في حوار نادر ومؤثر. الجلسة، التي حملت عنوان "أن تكون شاهداً عبر ظلام التاريخ"، استعرضت عقوداً من العمل على توثيق الأزمات الإنسانية في أكثر لحظاتها ضعفاً.
كرّس ماكلين، البالغ من العمر 89 عاماً، وناكتوي، البالغ من العمر 76 عاماً، حياتهما ليس فقط لالتقاط صور الحروب والمآسي، بل لإطلاق حوارات عالمية عبر قوة السرد البصري. تتسم أعمالهما بعمقها الإنساني رغم قسوتها، فتجاوزت نطاق التصوير الصحفي التقليدي، وأصبحت محفزاً للتغيير الاجتماعي وإعادة تشكيل الوعي العام.
عدسة في قلب النزاعاتبدأ المصوران الحديث عن ما دفعهما إلى التصوير في مناطق النزاع. استعاد ماكلين بداياته المتواضعة في شرق لندن، حيث نشأ في بيئة مليئة بالمجرمين وعصابات الشوارع، وقال: "في نهاية المطاف، بسبب حبي للتصوير... هو الذي اختارني. وبمجرد أن تكتشف التصوير الفوتوغرافي، تقع في حبه. إنه يفرض عليك التزاماً لا تستطيع التخلي عنه، يجعلك تفعل أشياء لا يقوم بها الأشخاص العاديون، خاصة في مناطق الحروب."
أما ناكتوي، فقد اكتشف شغفه بالتصوير خلال دراسته للعلوم السياسية، في خضم حرب فيتنام وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. يقول: "لم يكن التصوير جزءًا من خلفيتي، لكنه كان حاضرًا في الشوارع، يكشف الحقائق التي لم يكن القادة يريدون لنا أن نراها. عندما شاهدت تلك الصور، أدركت أنني أريد أن أكون الشخص الذي يحمل الكاميرا. التصوير الصحفي ليس مجرد توثيق، بل قوة هائلة، ومعها تأتي مسؤولية لا تقل عنها وزنًا." بعد عقد من التعلم الذاتي والمثابرة، حمل ناكتوي كاميرته إلى أيرلندا الشمالية في أوائل الثمانينيات، حيث أصبح هذا الصراع حجر الأساس لرؤيته البصرية وأخلاقياته المهنية.
بين العدسة والضمير: التصوير الصحفي والتحديات الأخلاقيةوتطرق المصوران إلى الجانب الأخلاقي في عملهما، حيث استعاد ماكلين ذكرى مروعة من بيروت، عندما هاجمته امرأة فقدت عائلتها. قال: "كانت تضربني بقبضتيها بكل قوة، وكنت أستحق ذلك - لفشلي في مراعاة ألمها. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، علمت أنها قتلت في انفجار آخر. عندها تساءلت: 'ما نوع الحياة التي أعيشها؟'"
أما ناكتوي، فتحدث عن الشعور بالذنب الذي يحمله المصورون قائلاً: "لا مهرب منه. كل صورة تلتقطها في هذه الظروف تأتي على حساب أسوأ لحظات شخص آخر. الشعور بالذنب والخجل أمران علينا التعايش معهما. هذه هي الحقيقة المريرة لسرد قصص الآخرين للعالم، ونحن نعلم أننا ربما نظهر مجرد جزء ضئيل مما عانوا منه. ولكن من دون هذه الصور، كيف يمكننا فهم التكلفة الحقيقية لما يحدث؟"
وتناول المصوران أيضاً المعضلات الأخلاقية في المهنة. قال ماكلين: "نحن لا نطلب الإذن من الأشخاص الذين يحتضرون. لا يمكننا أن نحررهم من آلامهم. أشعر بالذنب تجاه ما فعلته، ومع ذلك، أعلم أن هذه الصور كان لا بد من التقاطها."
التصوير: عبء ومسؤوليةولخص ناكتوي هذا الصراع بين الغاية والعبء قائلاً: "تخيلوا غزة، تخيلوا أوكرانيا، تخيلوا النزاعات التي تحدث في الظلام - حيث لا يراها أحد، حيث لا توجد صورة تسلط الضوء عليها. يحتاج الجمهور إلى المعرفة، إلى رؤية الحقيقة، لأن الأدلة البصرية هي الشيء الوحيد الذي يتجاوز الدعاية. التصوير أثناء الحروب عبء ثقيل نحمله، لكنه بطريقة ما الثمن الذي ندفعه طوعاً، على أمل إحداث ولو تغيير بسيط."
أما ماكلين، فقد أبدى نظرة أكثر تشاؤماً، مشيراً إلى أنه طُرد من صحيفة صنداي تايمز عندما غيّر روبرت مردوخ توجه الصحيفة من الأخبار الجادة إلى المحتوى الترفيهي، مضيفاً: "معظم المجلات اليوم تروّج للحياة الفاخرة. إنها تخفي المعلومات التي نحتاجها بشدة. إذا لم نقاتل، فإن ديمقراطية حرية التعبير ستُمحى."
الثمن العاطفي للمهنةوعند الحديث عن التأثير العاطفي لعملهما، كشف ماكلين – أول مصور صحفي يحصل على وسام CBE (قائد وسام الإمبراطورية البريطانية) – قائلاً: "بعدما نجوت من العديد من المواقف الخطرة، من الغريب أن أفكر في الأمر الآن. مرت الرصاصات بجانب وجهي، أصابتني شظايا، لكن لم يكن أي من ذلك مؤلماً بقدر إدراكي بعد سنوات أن ما حملته معي لم يكن جروحاً جسدية، بل أرواح الأشخاص الذين صورتهم، كأنهم أشباح، يبقونني مستيقظاً في الليل."
أما ناكتوي، فأكد أن الإنسانية تتجاوز الحياد الصحفي في بعض الأحيان، قائلاً: "لقد حملت الجرحى، أوقفت عمليات الإعدام، أرشدت العائلات في الشوارع المظلمة خلال الاضطرابات. نحن لا نترك إنسانيتنا عند الباب لمجرد أننا مصورون. فكرة الحياد المطلق دون تدخل هي مجرد خرافة."
رسالة إلى المصورين الشبابفي ختام الجلسة، وجه ناكتوي رسالة إلى المصورين الناشئين قائلاً: "نبدأ بفكرة معينة عن التصوير، ثم نكتشف حقيقته. إنه ليس مغامرة ولا مجرد وسيلة للسفر، بل مسؤولية. إذا لم تكن مستعداً لأن تهتم بعمق بالأشخاص الذين تصوّرهم، فلا تخض هذه التجربة."