ألمانيا بين اليورو والهجرة ؛

نبض البلد -
د. حازم قشوع
 
قد يعود الاتحاد المسيحي الديموقراطي لصدارة المشهد فى ألمانيا، وتعود" أنجيلا ميركل " من جديد للمشهد السياسي، عبر عودة فريدريش يوواغيم ميرتس لزعامة الحزب الاتحادي ممثلا عن جناح اليمين المحافظ، بعدما حصل فى انتخابات البوندستاغ على ما نسبته 29% من الأصوات، كما حصل حزب البديل المتطرف على 19% من أصوات الناخبين الذى أيده ايلون ماسك ضابط الإيقاع الفاعل في الإدارة الأمريكية، بينما انحصر الحزب الاشتراكي نفوذه الى واقع 19% من مجموع الناخبين، الأمر الذي جعل الاتحاد المسيحي ممثلا لوسط اليمين الى جانب حزب البديل فى أقصى اليمين الذي تمثله اليس فايدل، يمثلان صوت الأغلبية البرلمانية في حال تم التوافق في البوندستاغ الألماني.
 
وهذا ما يعني أن السياسات الالمانية القادمة سيغلب عليها الطابع اليميني من جديد، الذى سيعمل كما هو متوقع على وقف الحرب الاوكرانية وسيكون مناوئ لحركة الهجرة إلى البلاد الألمانية لدرجة الانطوائية والانعزالية على الذات الألمانية، ومائلا إلى حد كبير للخروج من منظومة اليورو الأوروبية عبر العمل على تحصين صناعتها الوطنية بعدما هبطت أسواق صناعته نتيجة خروجه من مركز قيادة الأسواق الاصطناعية، بعدما ما كان متسيد لزعامة الأسواق الصناعية، وهذا مرده الى انتقال العصر من طور hardware إلى طور software المعرفية في أنظمة الذكاء الاصطناعي الجديدة التي أخذت الصين مكان المانيا فيها، كما أخذت كوريا الجنوبية مكان اليابان في الصناعة المعرفية القائمة على الثورة الاصطناعية.
 
وهذا ما جعل من المجتمع الألماني يصوت لصالح وقف حرب الاستنزاف الأوروبية الروسية فى أوكرانيا، ويضم صوته تجاه توحيد جهود شمال العالم من محدداته الاوراسيوي إلى الأطلسية والغربية، لتعمل جميعها لضم نسق واحد محافظ يقوم على توطين الصناعات الوطنية لتكون في المحصلة جميعها في مواجهة التنين الصيني المتفوق، الذى يتم التوافق حول ضرورة تحديد محتوى نفوذه الاقتصادي والتكنولوجي عن طريق حوصلة منتجاته وإيجاد بدائل عنها تسمح بعودة السيطرة لشمال العالم على زعامة الصادرات، بواقع السيطرة على العلوم المعرفية وصناعات الذكاء الاصطناعي الإنتاجية فى مسارات تطوير نماذج الأدوية والاتصال والتعليم، عن طريق تحديث حركة الاستثمار الوطني في ولاية بافاريا بواقع تحويلها من " صناعية إلى اصطناعية " لكن ذلك بحاجة إلى 400 ألف مهاجر سنويا، وهذا ما يعني أن نوعية المهاجرين الذين يتم استهدافهم هم من النخب " الشرق الاوسطية " او من اوروبا الشرقية، ولن يكونوا حالات إنسانية كما كان الأمر عليه في السابق كما لن تكون ألمانيا مستباحة من قبل مجتمعات أوروبا الأطراف، وهو أيضا ما يجعل من ألمانيا تمارس سياسة الإغلاق القومي أو الاثني لتنسجم الى حد كبير مع السياسات التى تقف عليها أمريكا فى الحالة الظرفية في زمن حكومة ترامب واسقاطاتها العالمية.
 
وهى ذات الجمله السياسية التي حملها ماكرون زعيم الفرنكفونية الى البيت الابيض لبيان موقف أوروبا تجاه هذه الاستراتيجيه الجديده، التى يريدها شمال العالم لبيان نفوذه فى السيطرة على العالم من جديد لتكون هذه المجهودات موحدة تجاه توطين الصناعات ووقف الحروب والنزاعات، والسماح بعودة توطين الصناعات المعرفية والسيطرة على العالم من جديد من باب " الجيو اقتصادي" الذى يريده الرئيس ترامب مدخل للتحكم فى العالم ومقدراته كما فى ثرواته وموارده، وتكون هذه الجملة جملة الوصل الموحدة أمام جدول أعمال القمة القطبية التي يعول عليها الجميع فى بيان نظام الضوابط الموازين الجديد وبيان الأطر الناظمة فى قمة ترامب - بوتين القادمة، التى يتم الإعداد لها فى الحضاره العربيه حيث الرياض.
 
ان الأردن وهو يؤكد دائما على علاقاته الوطيدة مع ألمانيا الاتحادية كما مع اوروبا وامريكا، فإنه يأمل من القمة العربية القادمة ان تضع بيانا واضحا تحدد فيه مصالحها كما فعلت أوروبا بهذا الصدد، إن كان تجاه حالة السلم والأمن الإقليمي التى تستهدفها، او ان كان تجاه القضية المركزية وما تقوم به اسرائيل من أعمال خارجة عن السياق القانوني والانساني، او تعلق الأمر بالتبادل عبر معادلة مقايضة بين الاستثمار العربي وجلب الصناعات المعرفية للحاضنة العربية !
 
وذلك من أجل بناء علاقات قوية بين جنوب المتوسط وشماله لتبيان ما تحرص عليه الاردن والامة العربية في تجسير علاقات وطيدة بينها وبين شمال العالم، فان الاردن يتطلع أن تنتج هذه الروابط شراكات جيواقتصادية تجعلها شريكه فى الصناعات الثقيلة والخفيفة كما فى بحر العلوم الاصطناعية، لاسيما وان المجتمع الأردني يعتبر من المجتمعات الواعدة وهو قادر على تجسير هذه الصناعات بين الضفة الشمالية للمتوسط للضفه الجنوبية، لما يمتلكه الأردن كما المجتمعات العربية من مناخات استثمارية واعدة وطاقات شبابية متعلمة ومدربة، وهو ما يجعله قادر على المساهمة في رفد الانتاجية الصناعية ليكون جنوب المتوسط شريكا فاعلا لشماله، كما كان نقطة الوصل القطبيه الامريكيه الروسية فى قمة العالم الجيواستراتيجية القادمة.