الأمن القومي العربي: من المفهوم النظري إلى السياسات العملية الغعالة

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

مع انكشاف محور "المقاومة"، وفقدانه السيطرة على المواقع الاستراتيجية العربية التي رسّخت نفوذه الإقليمي بقيادة إيران لعقود، مما تسبب في اختراق عميق للأمن القومي العربي، بات من الضروري أن تعتمد الدول العربية المحورية، والمنخرطة باستمرار في القضايا القومية، استراتيجية شاملة لتحويل التضامن العربي من مفهوم نظري إلى سياسات عملية فعالة، تسد الثغرات التي تستغلها القوى الإقليمية والدولية لفرض أجنداتها على المنطقة العربية، بما يسهم في حماية الأمن القومي العربي، وتعزيز الاستقرار والتنمية.

إن حالة الفراغ العربي التي أعقبت سقوط النظام العراقي قبل عقدين، منحت إيران فرصة استثنائية لتصدير مشروعها الطائفي، وبسط نفوذها في العراق الذي انطلقت منه إلى سورية، ثم اليمن، وقبل ذلك لبنان، مستغلّةً حالة الضعف والانقسام التي مرت بها الدول العربية. وكذلك، لم تكن إسرائيل أن تتمكن من فرد كامل عضلاتها العسكرية وتمارس البلطجة في المنطقة العربية إلا بغياب الدور العربي الفاعل والحاسم. ولم تنجح تركيا في التمدد نحو سورية والعراق والتعدي على سيادة هاتين الدولتين، إلا عند انشغال الدول العربية بأزماتها الداخلية والنزاعات الطائفية والسياسية.

كل هذه التحركات من قِبل إيران وإسرائيل وتركيا، تشكل تهديدات متعددة للأمن القومي العربي، وتستدعي استجابة شاملة وموحدة من الدول العربية. ولعل تراجع إيران وانكسار محور "المقاومة" الذي قادته واستغلته، يمثل بداية لتصويب الوضع الأمني والسياسي في المنطقة العربية، بدعم النظم السياسية التي تحكم البلدان العربية التي تحررت من النفوذ الإيراني، لضمان بقائها في الحضن العربي، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية، الثنائية والجماعية معها، وتفعيل دور المؤسسات الإقليمية العربية، وتطويرها لتكون أكثر فعالية في مواجهة التحديات المشتركة.

في النهاية، إن المخرج الوحيد والآمن من مرحلة النفوذ الذي رسخته القوى الإقليمية في منطقتنا، يتمثل بتعزيز التضامن العربي، ونقل مفهوم الوحدة العربية من خانة الشعارات إلى خانة السياسات والمنهجيات الفعالة، ومن دون ذلك، فإن المنطقة العربية ستظل عرضة للتدخلات الخارجية والأزمات المستمرة.