السلط وغزة وقواشين القلوب

نبض البلد -
بهدوء
عمر كلاب
يمتاز السلطيون عن سائر الأردنيين, بتقديم المدينة على العائلة أو العشيرة, وهم مفتونون بمدينتهم حد الهيام, وفي أهازيجهم, مفردات جميلة وقوية, تقول إحداها :"والسلط الها قوشان في القلب مدقدق", أي أن الأرض وقوشانها, منقوشة, وليست مكتوبة, على جدران القلب وليس في دائرة الأراضي, وبالتالي لا أحد يملك التصرف بأراضي السلط وقلوب أبنائها, ولعل هذه الأهزوجة, بحاجة إلى ترجمة وإرسال إلى الإدارة الأمريكية, مع توضيح بأن هذه الأهزوجة منقوشة على قلوب الغزيين والفلسطينيين أيضًا, فقطاع غزة, ليس أرضًا مملوكة لأحد وليست للبيع, فهي منقوشة على جدران القلوب والأفئدة, وليست قلوب الغزيين وحدهم, بل قلوب العرب وفي مقدمتهم الأردنيين.
غزة التي ألقت أول جرح في جسد الاسكندر, قبل آلاف السنين من ظهور أمريكا, لن تخنع أو تقبل أن تكون أرضها, التي شربت من دماء الشهداء, بأكثر من ماء المطر, بل ربما ترابها يسجل أعلى نسبة دماء شهادة بالنسبة للمتر المربع الواحد في العالم, للبيع أو المبادلة, حسب شعار أزرق على أكياس الطحين القادمة من الولايات المتحدة, أوائل النكبة, وعلى تجار العقار والسماسرة, فهم ذلك جيدًا, فأرض غزة لا تقاس بالمتر أو الدونم, بل بمخزون الدماء الزكية.
غزة يا هذا, احمرار سائل برتقالها, ليس كما احمرار سائل باقي برتقال العالم, دم الزغلول نسميه نحن, فهو ليس نتاج تركيب شجر, بل مخزون دماء نقية ارتوت بها حبات التراب, ولون برتقالها لم تكتسبه بيارات غزة, من الطبيعة, بل من مهابة تحرر نحو الانعتاق من الاحتلال, ليصبح برتقالها بلون الشمس التي ستشرق على غزة, قريبًا وقريبًا جدًا, فهذه الدماء ليست فاترة ولن تفتر, حتى تضع الشمس أوزارها, برحيلكم عن هذه الأرض.
غزة يا هذا, ليست مانهاتن أو قطعة من أرض خاضعة للتطوير العقاري, فمترها لا يقاس بالحسابات العقارية, فكم ثمن القلب الواحد, وكم ثمن لتر الدم, وكم ثمن دمعة سقطت من عين أم شهيد, أو أرملة أو ثكلى, دمجت الدمعة بزغرودة وأغنية ’ فنحن لا نبكي الشهداء, بل نغني لهم, ونحن لا نقبل العزاء بهم إلا بعد أخذ الثأر, فمتر غزة يا هذا حساباته معقدة, ولا يفهمها تجار العقار وسماسرة الأرض والعرض, فمترها خليط من تراب ودم ودومع وزغاريد, فكم سعر المتر؟
غزة يا هذا, حصيلة حرب وحبر وبحر, وبرتقال وزيتون ولوز, وأشعار وتراث وأهازيج, فيها من الحزن الكربلائي, والفرح الدمشقي, وغزة يا هذا فيها, ما يحرق الأعداء, وفيها قرون الفلفل الحمراء, هل تعرف الشطة ياهذا, هي ساندويشة الإفطار لطلبة المدارس الابتدائية, تخيل طفلاً يفطر على الشطة, هل تعتقد أنه سيستطعم بالنوتيلا؟ إذا استطعت أن تدرك الفرق بين من يستطيب الشطة على الإفطار صباحًا, ولا يستطيب طعم النوتيلا ستدرك كم عصية غزة.
omarkallab@yahoo.com