نبض البلد - أحيت رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب لقطاع غزة خال من سكانه الفلسطينيين وإعادة تطويره ليصبح منتجعا ساحليا دوليا تحت السيطرة الأميركية فكرة سبق أن طرحها صهره جاريد كوشنر قبل عام.
وأثارت الفكرة التي تحدث عنها ترمب في مؤتمر صحفي، يوم الثلاثاء، ردود فعل صادمة من الفلسطينيين ومعارضين غربيين يقولون إنها تمثل تطهيرا عرقيا، كما أنها غير شرعية بموجب القانون الدولي.
رؤية الاستثمار العقاري
لكن هذه المرة لم تكن الأولى التي يتحدث فيها ترمب عن غزة من وجهة نظر فرص الاستثمار العقاري، ففي أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، قال في مقابلة إذاعية إن غزة قد تكون «أفضل من موناكو» إذا ما أعيد بناؤها بالطريقة الصحيحة.
وظهرت فكرة إعادة تطوير غزة بشكل جذري بعد وقت قصير من بدء إسرائيل حملتها على القطاع الساحلي الضيق في أعقاب الهجوم الذي قادته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لا سيما من جانب كوشنر الذي ساعد بصفته مبعوثا خاصا للشرق الأوسط في ولاية ترمب الأولى في دفع (اتفاقيات إبراهيم) لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
أحلام كوشنر
وسبق أن وصف كوشنر الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله بأنه «ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين». وقال في فعالية في هارفارد في فبراير/ شباط 2024 «العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، إذا ما ركز الناس على توفير سبل العيش».
وتابع بالقول «إنه وضع مؤسف بعض الشيء هناك، لكنني أعتقد من وجهة نظر إسرائيل، أنني سأبذل قصارى جهدي لإجلاء الناس ثم تنظيف المكان».
وكان كوشنر نفسه مطورا عقاريا في نيويورك قبل ولاية ترمب الأولى.
ولم يرد متحدث باسم كوشنر حتى الآن على طلب للتعليق من أجل هذه التغطية.
كما أن هناك شكوكا بشأن كيفية فهم اقتراح ترمب بالمعنى الحرفي، فهو معروف كصانع صفقات يطلق العنان لنفسه ومعتاد على إرباك شركائه في التفاوض بهجمات من زوايا غير متوقعة.
الموقف السعودي
وقال مصدر مقرب من الديوان الملكي في الرياض إن السعودية، القوة المهيمنة في العالم العربي، «لن تأخذ هذا التصريح على محمل الجد. فهو لم يتم التفكير فيه جيدا ومن المستحيل تنفيذه، ولهذا فإنه سيدرك ذلك في النهاية».
وفي بيان صدر يوم الأربعاء، قالت وزارة الخارجية السعودية إن المملكة ترفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم. كما نددت السلطة الفلسطينية وحماس بهذه التصريحات.
ولم يتسن لرويترز التأكد مما إذا كان كوشنر، الذي تلقت شركته الاستثمارية الخاصة استثمارات من دول الخليج بما في ذلك ملياري دولار من السعودية، قد شارك في أي مناقشات في المنطقة بشأن الاستثمار في غزة.
نكبة 48
وبالنسبة للفلسطينيين، ومع كون فكرة تحويل غزة إلى منتجع ساحلي تبدو مستبعدة، فإن مثل هذا الحديث يذكرهم بالنكبة التي عانوها بعد حرب 1948 وإعلان قيام إسرائيل عندما فر 700 ألف شخص أو أجبروا على ترك منازلهم.
وفي وقت مبكر من الحرب، جرى على نطاق واسع تداول صور ساخرة على الإنترنت تظهر لقطات وهمية لشقق سكنية على شاطئ البحر على طول ساحل غزة، غالبا من جانب رواد مناصرين لإسرائيل يسعون للسخرية من الفلسطينيين في غزة حيث يقول مسؤولو الصحة إن 47 ألف شخص استشهدوا خلال الرد الإسرائيلي على هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول التي تشير إحصاءات إسرائيلية إلى أنها أسفرت عن مقتل 1200 شخص.
وكثيرا ما يكيل الساسة الإسرائيليون الاتهامات للقيادات الفلسطينيين لتركيزهم على محاربة إسرائيل بدلا من بناء دبي أو سنغافورة جديدة في مناطق مثل غزة التي تقبع منذ عقدين تحت حصار يضع قيودا شديدة على وصول التمويل والمواد الأساسية لها.
«ريفييرا الشرق الأوسط»
وفي سنوات سابقة، كان القطاع الساحلي وجهة شهيرة للسياح الإسرائيليين وحتى بعد سيطرة حركة حماس على حكمه في عام 2007 استمر المشهد الهادئ للمطاعم والمقاهي الأنيقة على شاطئ البحر.
ولم يتم الكشف عن كيفية تنفيذ رؤية ترامب بإنشاء «ريفييرا الشرق الأوسط» في غزة حيث لا تزال حركة حماس تمسك بقوة بزمام الأمور وحيث كان هناك رد فعل غاضب على تعليقاته.
ويحكم ملكية الأراضي في غزة مزيج معقد من اللوائح والعادات التي تضرب بجذورها لفترة الحكم العثماني والانتداب البريطاني والقوانين الأردنية بالإضافة إلى الممارسات التي تحددها العائلات، مع دعم سندات ملكية الأراضي أحيانا بوثائق من أنظمة قانونية سابقة. وهناك حاليا قيود شديدة بشأن شراء الأجانب للأراضي.
تكلفة إعادة الإعمار
والآن وبعد 15 شهرا من القصف أصبحت غزة «موقع هدم» وفقا لتعبير ترمب. وقال مبعوثه للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إن إعادة البناء ستحتاج ما بين عشرة و15 عاما. وويتكوف نفسه مطور عقاري سابق أصبح الأسبوع الماضي أكبر مسؤول أميركي تطأ قدمه القطاع منذ اشتعال الحرب.
وتشير التقديرات إلى أن تكاليف إعادة إعمار غزة قد تصل إلى 100 مليار دولار. لكن دول الخليج، التي تمثل مصدرا محتملا للاستثمار في إعادة إعمار القطاع، ترفض بشدة تقديم أي تمويل ما دام الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة مسدودا.
وبالنسبة للمستثمرين المحتملين الآخرين، يبدو أن حالة عدم اليقين تفوق أي فوائد محتملة، على الأقل في الوقت الراهن، وفقا لمحللين تواصلت رويترز معهم. ورفضت العديد من أكبر شركات البناء والتطوير في إسرائيل التعليق.
وقال راز دومب، المحلل لدى ليدر كابيتال ماركتس في تل أبيب، وهو بنك استثماري، إن إعادة التطوير واسع النطاق في مناطق ما بعد الصراعات تتطلب عادة استثمارات ضخمة واستقرارا وتخطيطا بعيد الأجل..ومن المستحيل تقييم أي شيء ملموس الآن».