نبض البلد -
بهدوء
عمر كلاب
سيجد من يصف اتفاق الهدنة بالنصر مبرراته لهذا الوصف, وسيجد من يراه نكسة جديدة ما يدعم وجهة نظره, لكن الخطورة في اصحاب المواقف المتناقضة, انهم يبنون موقفهم, من قربهم او بعدهم عن حركة حماس, وليس من بوابة منهجية تقرأ الامر بحسابات سياسية وجغرافية وانسانية ومستقبلية, فمن يتبنى موقف حماس, سيعلن احتفالاته بالنصر, ومن يكرهها, سيبدأ في سرد الخسائر والالام, وسيغيب المستقبل والدروس المستفادة.
تخيلوا معي لو ان منظمة التحرير الفلسطينية, ومنذ بواكيرها بقيادة الراحل ياسر عرفات, قد بنت منظومة فعل مقاوم, كما بنته حركة حماس في منصف العقد الماضي من القرن الحالي, وهي, اي منظمة التحرير, كانت مزودة بكل الامكانبات اللازمة, من حلفاء عالميون, مثل الاتحاد السوفييتي والصين وتجارب مقاومة ناجحة, مثل فيتنام والجزائر وكثير من دول اسيا وافريقيا, ووسط بيئة عربية حاضنة للمقاومة, بدليل مشاركة عرب كثيرون في مسيرة العمل الثوري والنضالي.
اظن, وكما قال الدكتور مصطفى الحمارنة, سنكون في دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران, نعم, لقد اضعنا فرصة البدايات, وبنينا مشروعنا الفلسطيني, على ارضية رخوة, قوامها الفصائلية والتبعية للجغرافيا السياسية, فكل بلد عربي غرس اصبعه على شكل فصيل في منظمة التحرير, وكل جهاز امني, وجد من يتبعه ويلتزم بتعليماته, ففقدنا القرار الفلسطيني المستقل, وذهب عرفات رحمه الله الى التمثيل ومشروعيته, وليس الى الحقوق واشتراطاتها, فخسرنا الاثنتين معا, فالسلطة الوطنية عجزت ان تكون ممثلا للفلسطينيين, وحصرت دورها في الضفة وغزة قبل ان تسقط غزة في قبضة حماس, وتصبح السلطة في رام الله وجزء من الضفة.
ولم نعد نسمع عن منظمة التحرير الفلسطينية, الممثل الشرعي والوحيد, سوى شذرات خفيفة, فهي مجرد غرفتين بمنافعهما في رام الله, تأتمر بأمر السلطة وليس العكس, وهذا يعني ان الكل الفلسطيني, لم يعد محكوما بإطار وطني جامع, وانفلتت الفصائل من التماسك الوطني, وباتت حساباتها فصائلية محضة, مربوطة بعلاقات الجغرافيا الحاضنة, فرأينا الفصائل المقيمة في سورية ترضخ لاشتراطات سورية وحسابات امنية سورية وكذلك الحال مع كل عاصمة احتضنت فصيلا او فصائل, فالجغرافيا السياسية حسمت بدكتاتورية القرار الفلسطيني.
اليوم هل المطلوب ادانة حماس الجواب" لعم " وهل المطلوب ادانة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية, الجواب " نعم " بالفم الملآن, ندين حماس على عدم استثمار شرعيتها النضالية, في بناء منظومة عمل فلسطيني جامعة للكل الفلسطيني, بدل الاستئثار بالسلطة في غزة والمشهد الفلسطيني, النقيض للسلطة, وبناء منظومة سياسية تدور في فلك الأخونة السياسية, وعدم بناء منظومة مؤسسات في غزة يشارك فيها الكل الفلسطيني, وطبعا لا يمكن ادانة حماس على فعل السابع من اكتوبر, فقد كان يوما فارقا, لكن لم تتم ادارته بشكل حصيف, ببساطة لانه كان بلا مشروع سياسي داعم, بل كانت ادارته فصائلية شوفينية.
بالمقابل, فشلت السلطة في تقديم مشروع وطني شامل, فلا هي بنت مؤسسات وطنية, ولا هي بنت قاعدة مقاومة, حتى في اطارها المدني, فهي تحولت الى مجرد تنسيق امني, وضامن لأمن الاحتلال, ومن يراجع سلوك السلطة, منذ التأسيس وحتى اليوم, يعرف انها زبائنية, فلا توجد مؤسسة واحدة, ولم تستثمر السلطة في الكفاءات الفلسطينية, سواء في فلسطين المحتلة او في الشتات, ولم تستثمر في المخزون العربي والعالمي المناصر للقضية, لبناء مؤسسات وطنية سواء في الصحة والتعليم والاقتصاد ولا اقول العسكري, حتى لا اثير السخرية, فتخيلوا معي لو ان ابراهيم ابو لغد وهشام شرابي وادوارد سعيد, بنوا منظومة التعليم والتعليم العالي, وقس على ذلك كل المؤسسات.
ليس المهم اليوم, تصنيف ما حدث, نصر او هزيمة, المهم استخلاص العبر والتفكير في اليوم التالي لوقف حرب الابادة, واهل غزة هم من سيصنفون ما حدث, لانهم وحدهم اصحاب الحق, ونحن دعمناهم بالحد الادنى, وهذا لا يخولنا حق التصنيف, لكنه يخولنا ان نسير بهم ومعهم, نحو بناء جديد, بناء يكون فيه المشروع الفلسطيني شاملا, ومظلته تتسع للكل الفلسطيني, نحو البناء والتحرير, وهذا يتطلب اعادة فك وتركيب كل الصورة الفلسطينية, واولها السلطة الوطنية على قاعدة الشراكة الوطنية الكاملة للجميع, وتوحيد الارض الفلسطينية, على قاعدة البناء والصمود والمقاومة المشروعة, والاهم ان لا يقع كثيرون في خطيئة, ان القضاء على حماس اوهزيمة حماس, هزيمة لفصيل, بل هزيمة للمشروع الوطني الفلسطيني كله, سواء من معها او من يقف الى جوارها وحتى لمن يخالفها.
omarkallab@yahoo.com