حاتم النعيمات
تصرّف الأردن مع كارثة غزة بما يناسب مصالحه؛ فدعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتثبيت الديموغرافيا هناك يُعدّ الارتكاز الأساسي للفعل الأردني "سياسيًا". وهذا بالطبع لا ينفي البُعد الإنساني لهذا الفعل، فنحن لدينا تاريخ طويل في التعامل الإنساني مع جميع أزمات المنطقة وليس فلسطين وحدها.
ما فعلناه لم يكن موجّهًا لحماس على الإطلاق، بل كان موجهًا للشعب الفلسطيني ذاته. لذلك، استغربتُ غضب البعض من ردّة فعل حماس الذي جاء على لسان الحية بعد إتمام اتفاق الهدنة، حيث تجاهل الحية وتنظيمه دور الأردن في الإغاثة والدعم الدبلوماسي.
حماس بالمناسبة لم تخطئ هنا!! فالدعم الأردني كان موجهًا مباشرة إلى أهل غزة، ولا علاقة لحماس بالموضوع، خصوصًا أن حماس أثبتت بما لا لُبس فيه أن أبناء الشعب الفلسطيني لا يعنون لها شيئًا، وأنهم مجرد أرقام. وقد أكّد ذلك أسامة حمدان، أحد قيادات التنظيم، في لقاء على إحدى المنصات عندما قال "ما لازم حد يتخيل إنه التضحيات هي إنه استشهد الشعب واستشهد النساء والأطفال، التضحيات للمقاتلين أولاً" ولزميله القيادي الآخر موسى أبو مرزوق عبارة معروفة أيضًا حيث أكد بأن من هم فوق أرض غزة مسؤولية الأمم المتحدة وليسوا مسؤولية حماس، مع أن حماس حكمتهم فوق أرض غزة لمدة 18 عامًا، وجَبَت منهم الضرائب والرسوم، وفرضت عليهم قوانينها وسلطتها وجميع مغامراتها.
قضيتي اليوم ليست علاقة الغزاويين بحماس، فحيثيات هذه العلاقة يحددها الغزاوي، الذي لم يستشره أحد بما حدث ولم يُسمع رأيه لغاية الآن بسبب تشويش المتاجرين بقضيته. قضيتي ببساطة هي أن بعض أتباع حماس هنا يحاولون تجميل موقف حماس المعادي للأردن. ولعلنا اعتدنا على طعنات هؤلاء، لكن التغيرات الأخيرة في المنطقة توجب علينا مناقشة دورهم وقيمته.
من الطبيعي أن يخرج من بيننا من يبرر السلوك الحمساوي المعادي للأردن. كيف لا وهؤلاء أيدوا تحريض بعض قادة حماس للشعب الأردني متجاوزين الدولة الأردنية، وكأن الأردن ميليشيا وليس دولة!
مطلوب من هذا التيار أن يعيد حساباته وألا يعتمد كثيرًا على كونه حلقة الوصل السياسية بين الدولة الأردنية وحماس. فاتفاق الهدنة الذي وقّعت عليه حماس ليس اتفاق هدنة كما يعتقد البعض، فالهدنة تعني إيقاف القتال، والقتال لم يكن موجودًا أصلاً؛ إذ كانت إسرائيل هي الطرف الوحيد الذي يقتل ويدمر وحدها. بالتالي، فإن اتفاق الهدنة هو فعليًا اتفاق استسلام، ولكن بطريقة هادئة ومنمّقة، تمامًا كما حدث مع حزب الله.
حماس أصبحت خارج اللعبة على الأغلب، لذلك علينا إعادة تقييم دور أتباع حماس في الأردن. وهذا ضروري لأن استمرار هذا الدور يستنزف علاقة الشعب الأردني بدولته. فمعظم الوقفات الاحتجاجية لهؤلاء لم تخلُ من هتافات تخوينية ضد الأردن ودوره. والجميع يعلم أن قوة العلاقة بين الأردني ودولته ضرورية، خصوصًا في المرحلة القادمة، فتلك العلاقة قد تضررت مسبقًا بفعل الظروف الاقتصادية التي نعاني منها كانعكاس للاضطرابات التي تمر بها المنطقة وما نحتاجه اليوم هو ترميمها.