نبض البلد -
د.اسامة المجالي
قبل شهر من الآن نشرت مقالة تتعلق بشركات التأمين " تجاوزاتها ، تغوّلها ، طمعها ، اخطائها وتحكمها الإجباري بقطاع الصحة وهو واحد من أهم مناحي الحياة للمواطنين والدولة على حدٍ سواء " حينها لم تكن الأزمة قد ظهرت على الشكل الذي نحن فيه الآن ، وكل هذا لأن الجهات الفاعلة بالدولة كوزارة الصحة والبنك المركزي الأردني ومن ينظمون الحياة الاقتصادية والعامة بالأردن لا يقومون بواجبهم بالوقت المناسب لحاجة في نفس يعقوب كما يقولون فيضطر اصحاب الحقوق من أطباء وسواهم إلى المبادرة بتحصيل حقوقهم بما يرونه مناسباً ولا يخالف القانون . ثم حين تدخلوا قبل يومين بدا ان تدخلهم فاقم من الشرخ داخل الجسم الطبي وسكب عليه ثلجاً لتبريده لا لحلّه جذريا كما تم ترحيل المشكلة للمستقبل الغامض والذي لا يمكن التأكد منه أو البناء عليه بالنظر إلى التجارب السابقة .
أولا علينا ان نعرف أن هذه اللائحة من الاجور الطبية ( ٢٠٢٤ ) التي تطالب النقابة بإقرارها ليست جديدة بل تم اقرارها منذ أعوام وذلك بعد ١٦ عاماً من اللائحة التي سبقتها بتاريخ ( ٢٠٠٨ ) ، ولكن المماطلة بتطبيقها والتحريض عليها لم يتوقف من قبل أطراف عدّة اهمّها اتحاد شركات التأمين وهو نفس الطرف الذي لم يتردد برفع أسعاره على المواطنين والمنتفعين عبر الأعوام منذ ٢٠٠٨- ٢٠٢٤ عدة مرات وبنسب تتراوح ما بين ٧٠٪ - ٢٠٠٪ بينما يرفضون ان يرفعوا أجور الاطباء ٢٠-٢٥ -٥٠ ٪ وعلى مدى ٣ أعوام .
الحياة والتضخم بالاردن مستمران بوتيرة متسارعة لا ترحم أحداً ، فالأطباء مواطنون من عداد المواطنين يعانون معناتهم ويذوقون المرّ مثلهم ،لذلك عندما قرأت مقالاتٍ عديدة لعدة كتّاب في الصحف والمواقع الالكترونية وحتى القنوات التلفزيونية إحترت في من ألوم ، لضعف معرفة كثير ممن تناولوا هذه المسألة معرفة تفصيلية كي يحق لهم الحديث عنها والحكم عليها ، فالجهل المركب لدى بعضهم واضح في معرفة آليات اصدار لائحة الأجور الطبية وما يترتب عليها وكذلك العلاقة المعقدة بين الاطباء والمستشفيات وشركات التأمين ، وكثير من الكلام كان عاطفياً وشعبوياً بإمتياز دون تمحيص أو تدقيق ، كما ان البعض المعيّن لحماية المستهلك فنراه نفض عن ظهره الغبار وارتفع صوته في مواجهة شريحة الاطباء المنظمين بينما لا نسمع صوته في كل الارتفاعات السعرية والضرائب والجمارك والمياه والكهرباء على مدى السنوات ، فيا قوم لائحة الأجور لم تهبط ببرشوت من السماء بين ليلة وضحاها بل هي مسألة تمّ بحثها مطولاً من قبل كل الأطراف المعنية لسنوات اولاً وأُقرّت في العام ٢٠١٨ -٢٠١٩ ثم على مدى الشهور الماضية مؤخراً مرةً أخرى وعقد لهذه الغاية إجتماعات واجتماعات تكللت كلها بإقرار اللائحة والموافقة عليها وتصديق وزارة الصحة عليها وهي الجهة المخوّلة بالرقابة والتفتيش على هذه الامور ثمّ تمّ تحويلها إلى قانون مروراً بمراحله الدستورية وصولاً الى توشيحه بالإرادة السّامية ونشره بالجريدة الرسمية ، لم يكن فعلاً ظلامياً ومتعجلاً كما روّج البعض من كتاب العَجلة والمَجَلة بل أمرٌ واضح ويغشاه النور من كل ناح .
ولكن صاحب المال والأعمال وعلى رأسها شركات التأمين وهي أصلاً لا تبالي إلا بجيوبها ورأسمالها والمواطن آخر همومها ، ويظهر هذا من معاناة المواطنين في مراجعاتهم لشركات التأمين لتحصيل علاجهم ومراجعاتهم ثمّ نرى الطرق المتعددة التي يطرقونها لحجب الخدمات والعلاجات الضرورية - طبعاً بعيدا عن جمعية حماية المستهلك التي ربما لا يهمها هذا الموضوع او لم ينبهها أحدٌ عليه !!! - وكل هذا سبق وشرحت بعضه بالتفصيل في مقالة سابقة والتي اشرت فيها لشركات التأمين بالمنشار الذي يريد أن يأكل ذهاباً وإياباً ؛ من الأطباء مقدمي الخدمة بالتحكم بهم بعقود مجحفة تتجبر عليهم بالحسميات احياناً أخرى حتى تصل الكشفية المقررة للطبيب الأخصائي الى ٦-٧ دنانير وربما اقل كما حدث في مرات كثيرة متحججة بعدة حجج وخصومات وتعاقدات غامضة وأحياناً متغيرة من طبيب لطبيب وغير متساوية .
ثم على الطرف الآخر وهو جانب المنتفعين المواطنين فهم يخصمون عليهم الأدوية والخدمات الطبية من صور ومختبرات ثم العلاجات التي يصفها الأطباء للمرضى والمراجعين وبأعذار واهية وشكلية في كثير من الحالات وبالتالي فإن هامش ربحهم يزيد من هنا ومن هناك ، فَهَمّهُم وهمّ موظفيهم هو تخفيض فاتورة العلاج وتكاليف التأمين بغض النظر عن أحقية المريض بالعلاج وحاجته للخدمة الطبية وعندي كطبيب ممارس وخبير تأمينات سابق عشرات الأمثلة والملاحظات .
وأخيراً فإنني كدكتور أسامة وكطبيب أطفال لا أرغب بأي حرج أن يصيب طبيباً عزيزاً كريماً عند مطالبته بحقّه كما قامت بعض شركات التأمين بفصل بعض الزملاء من الشبكة الطبية لهم بشكل تعسفي فهؤلاء الاطباء لم ينفذوا الا تعليمات نقابتهم ونقيبهم المنتخبين ولا بد من عودتهم ، كما أنني لا أحب الحرج الذي يصيب المرضى والمواطنين الذين يذهبون للطبيب لحاجةٍ ومرضٍ وتعب لا لترفٍ فيطالبهم الطبيب بأتعابه نقداً وكثيرٌ منهم -من نعرف اوضاعه وحالته ويملك اطفال عدّة - فلا أرغب بإحراج أيٍ منهم أيضاً أو ان يتكدّر او يحزن فالحياة التي يعيشها معظمهم فيها من الكَبد والتعب الشئ الكثير ، ولكنها أقدارنا جميعاً ان نمسك العصى من المنتصف في كثير من التعاملات في ظل غياب الآليات الراقية والفاعلة التي تضمن لنا حقوقنا لذلك اضم صوتي لزملائي الاطباء من اجل حقوقهم وأرفع الصوت معهم وقد قالوا " إن الله لا يسمع من ساكت "