الإنسان الإنسان ...

نبض البلد - إبراهيم ابو حويله...

هناك الإنسان الإنسان وهناك الإنسان العصا وهناك الإنسان القائد وكل واحد من هؤلاء يختلف عن الأخر ، ولكن ماذا نريد نحن ومتى نريد هذا ولا نريد ذلك، وهل من الغريب إذا قلنا بإن بناء أي حضارة يحتاج إلى أن يكون لدى الإنسان القابلية ليكون أي واحد من هؤلاء .

نحن يجب أن نعترف بأن هناك الكثير من المفاهيم التي تحتاج إلى إعادة صياغة ، وهناك الكثير من القضايا الأخلاقية والتربوية ضاعت ملامحها ، ونحن نعيش بوادر أزمة في المفاهيم ، ولن يصلح الحال إلا إذا عرف كل واحد منّا دوره وما له وما عليه .

صناعة المواطن أو بناء المواطن أو ذلك الإنسان الذي نريد ...

توجعنا الوطنية قليلا فأحيانا تحمل معانٍ كبيرة وتصبح هدفا ساميا، واحيانا أخرى تفقد معناها عندما تصبح عبئا على المواطن او تجبره الحاجة والفاقة على العيش بكفاف وضيق ، فتصبح الوطنية تكاليف إضافية بالنسبة له ويسعى لخلعها والتخلص من ربقتها ، وتسمع أحيانا ذلك اللحن النشاز .

ونحن الآن نعزف على وتر الوطنية والمواطن ، وربما أصبح مصطلح الحقوق والواجبات يلقى أذنا صاغية ، ولكن أين يقف كل واحد منّا من هذه المصطلحات .

وتقف مع تلك الفتاوى التي تحرم الخروج على الإمام برغم ظروف القهر والفقر والظلم وحتى وإن بلغ الظلم مبلغا كبيرا ، ولكن لماذا هل هي نوع من الترويض (والخورفة ، إذا صح التعبير صناعة الخراف من البشر ) أم هي من قبيل أمر أخر .

عند اهل الفقه قاعدة فيها كلام عريض هي درء المفاسد أولى من جلب المصالح ، ولذلك بحثوا في هل تتساوى المفسدة أو المصلحة ، وفرص تحقق المصلحة والمفسدة ومن هي أكبر من الأخرى ، ومن هنا تجد أن الفقهاء بحثوا في المصلحة العليا للمجتمعات وإستقرارها ، ولذلك كانت الفتوى تحمل بعدأ أخر هو الأمة.

ويجب أن ندرك نحن أيضا الضرر والفائدة من كل فعل أو إنفعال لحركة ما في المجتمع ، وحتى لو كانت مجرد نقل لخبر وما أثر نشر هذا الخبر ، ويجب أن يكون الوعي حاضرا قبل الفعل .

ولذلك حض الإسلام على التفقه وتخصيص فئة تدرس هذه المسائل وتدرك الخطر الكامن خلفها لتكون مركز إنذار مبكر للمجتمعاتها ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) ، ومع أن المقصود هنا هو التفقه شرعا ، ولكن الضابط في هذه الآية هو معرفة الخطر والإحاطة به لإنذار الأمة من الأخطار المحدقة بها ، ولذلك كان الفقهاء المخلصون دائما هم من يعلق الجرس في الحوادث الخطيرة ، وما العز بن عبدالسلام ولا الإمام أحمد ببعدين عن هذا .

وهناك أيضا مصطلحات من قبيل صناعة الإنسان هي اساس الحضارة ، وما يميز كل حضارة عن غيرها هو الإنسان ، الإنسان في كافة مواقعه من القائد إلى الجندي ، ومن الرئيس إلى المواطن ، الإنسان هو تلك اللبنة التي تجعل الإنتاج في الوطن يتجه في إتجاه إيجابي أو سلبي ، هو الذي يجعل حركة المجتمع تتجه صعودا أو هبوطا .

ففي لحظة يجب أن يكون جنديا وفي أخرى يجب أن يكون قائدا وفي ثالثة يجب أن يكون مبادرا وفي رابعة يجب ان يكون متلقيا ، وأنه إذا تم خلط هذه المفاهيم عند المتلقي فإن النتيجة للأسف تكون كارثية .

وهنا أقف مع خالد بن الوليد وعمر رضي الله عنهما ، وقضية عزل خالد عن قيادة الجيش ، وهذا الوعي بأهمية الرسالة وحملها وآدائها ، نعم عندما يكون الهدف واضحا وساميا عندها تصبح التضحيات الكبيرة صغيرة في سبيل تحقيق هذا الهدف .

فلا يصلح مجتمع عندما يكون كل أفراده جنودا ، ولن يصلح عندما يكون كل أفراده قادة ، ولن يصلح عندما لا يكون الإنسان فيه لا يعرف الصواب والخطأ ، ولا يصلح عندما لا يعرف الإنسان متى يكون فاعلا ومتى لا يكون فاعلا ، ولا يعرف تماما بوصلته الأخلاقية التي تضبط تصرفاته .

وهنا الفرق بين أن يكون الإنسان فاعلا أو يكون الإنسان كلّاً ، بين إنسان ينضبط عندما يتعلق الأمر بالأمة والوطن ، وينتفض عندما يكون الأمر صناعة خراف بشرية، تسعى في رضى البشر وخدمتهم

بين هذا الإنسان الذي يصنع حضارة، إنسان المعرفة والعلم والانضباط الذي يصنع الجندي الذي يبني الوطن ، وبين تلك الخراف التي تسير برضاها إلى حتفها.

يكمن الفرق ...