نبض البلد -
كتابة : دانية أحمد
منذ أن دخلت الدراسات الإعلامية الجامعات العربية في الثلاثينيات من هذا القرن، لم تنفك الأسئلة أن تنتهي بمدى مواكبة المناهج الدراسية الإعلامية مع الواقع المعاش! وما إذا كان هناك مواءمة بين ما يدّرس في الجامعات وما يلقاه الطالب بعد تخرجه!وما إن كانت ستحط لنفسها قدمًا في خارطة الرقمنة والإعلام الحديث! يكثرالحوار والنقاش حول ذات الموضوع، وعنكيفية الهروب من الطابع الكلاسيكي في الدراسات ،فما المخرجات والتوصيات المُراد العمل عليها للخروج بطلبةِ يمتلكونالكفاءات التي تلائم متطلبات سوق العمل؟!
في حين أننا دخلنا حقبة جديدة من القرن الواحد والعشرين، وما زالت جامعاتنا تستخدم ذات الأسلوب في التدريس منذ سنين مضت وما زال التعليم التلقيني هو أساس العملية التعليمية، وكل المحاولات باستحداث طريقة منهجية جديدة تواكب العصر وتطوراتها لم تؤت أُكلها بعد، وهذا جعله يبتعد عن الأهداف التي حدَّدتها اليونسكو للتأهيل الإعلامي، و التي تتمثل في: تعريف الدَّارس بالمصطلحات الإعلامية والمَعِدَات المستخدمة، وتنمية المهارات الأساسيــَّة في صناعــة الإعلام مثل القدرة على استعمال اللغــة، والمهارات اليدوية والاستعداد الميكانيكي في التَّعامل مع الأجهزة، والموهبة الفنية والخيال في استخدام آلات الإنتاج، و تنمية المهارات الإعلاميَّة المتخصِّصة مثل مهارات الإعداد و الكتابة، ومهارات الإنتاج، والمهارات الهندسيَّة التي تعنى بتركيب المعدَّات وصيانتها وإصلاحها ورفع مستوى المهارات الموجودة في الميدانٍ ، وأخيراً تنمية جوانب محدَّدة في التَّطبيق مثل الإعلام الحكومي، الإعلانات، العلاقات العامَّة، وإدارة المؤسَّسات الإعلاميَّة أو أنواع معيَّنة في جوانب التَّنمية.
وعلى جانب آخر هناك المناهج الدراسية التي إلى الآن ما زالت تقليدية بحتة في تناولها مناهج الصحافة، فالصحافة التقليدية في مرحلة من الاندثار الآن ففي تصريحات لنخبة من الخبراء والمختصين في الشأن الإعلامي وعلم مستقبليات الاتصال بأنه مع حلول سنة 2020أو حتى قبلها ستنتهي الصحافة الورقية. البعض ذهب إلى أن سنة 2040 هي السنة التي معها ستكون الصحافة التقليدية قد انقرضت كليًّا.
ومع تزايد المطالبة باستحداث مناهج دراسية تواكب تحديثات العصر ورقمنة الصحافة وإعطاء كل تخصص مجاله الواسع في التحديث.
إن مشكلة تدريس الصحافة في الجامعات العربية لم يعد مسببه طرف واحد، بل هناك مجموعة تشاركية يجب توحيدها ودراسة أسبابها وإيجاد الحلول الواقعية والمنطقية لحل هذه المشكلة، ولا يأتي ذلك إلا باعتراف وجود أن هناك مشكلة ومشكلة كبيرة.
على الرغم من أن تدريس الإعلام في البلاد العربية يعتمد في المقام الأول على النظريات والمنهج الغربي، فإن الواقع الإعلامي من حيث الممارسة في العالم العربي يختلف تماما، وهذا الاختلاف أدى إلى
إدخال المتخرج من أقسام الإعلام والصحافة في دوامة الصراع بين ما تعلمه وبين ما هو ممارس فعليا .
لا ننفي وجود قصور في المؤلفات العربية في مجال الصحافة والإعلام وتحديدا الرقمية وقلة المختصين في هذا المجال، وهذا أدى إلى اعتماد الكثير من الجامعات اللجوء إلى الترجمة، وهذا يدخلني في حيرة من الأسئلة عن تلك البيئات التي تُرْجِم فيها! والغرض منها؟ فقد يكون لا يتناسب مع مخرجات الجامعات العربية المراد إخراجها .
إن ما واجهتهُ خلال دراستي تخصص الصحافة والإعلام وتحديدا مسار الصحافة الإلكترونية كان تصوري أن يخدمني هذا التخصص في التطور الهائل في التكنولوجيا والتحديثات الرقمية، ولكن مع الأسف كان الواقع غير ذلك تماما، فما زالت المناهج والمواد التي تحتاج إلى تطبيق عملي وإلكتروني بقيت تدرس بالطريقة التقليدية، على الرغم من كثرة الشعارات والإعلانات التي ترّوج للتعليم الإلكتروني بأنهُ متاح دوماً، ليس في جامعتي، بل وجدت هذا من طلاب في جامعات أخرى جمعتنا أحد التدريبات المختصة بالإعلام الرقمي، فكلنا نحاول أن نستدرك ما فاتنا من هذا التطور، الذي وبصراحة مطلقة عوّلنا على دراسته في الجامعة . مفاد ذلك إلى أن بعض الجامعات ليست مؤهلة كليا لاستقطاب مثل هذهالتخصصات فهي بحاجة إلى الكثير من التجهيزات والمعدات لكي تدرسها بالشكل الصحيح إضافة إلى عدم توافر البنية التحتية لـشبكة إنترنت عالية السرعة .فلقد مر العالم كله بجائحة كورونا التي غيرت أيضا في مفهوم التعليم لتحويله إلى تعليم عن بعد أو -التعليم الأونلاين- كما يسمونه. فلقد كُشِفت الكثير من العيوب، ومنها ضعف شبكة الإنترنت وشكل هذا عوائق كثيرة، وكان واضحا في الجامعات وتحديدا العربية. ففي تقرير أُعدّ على موقع الجزيرة درس أحد أسباب فشل الجامعات العربية في الجائحة ،وكان ومن بينها معوقات تقنية ترتبط هذه المعوقات بغياب المعدات والبنية التقنية والاتصالية المتطورة، مع ضعف التزويد بالإنترنت وشبكاتها المختلفة، وحتى مع وجودها فهناك ضعف شديد في عمليات الصيانة والمتابعة الدورية وإعادة تهيئة البرامج وتحديثها وتوفير متطلبات الأمن الإلكتروني .
وعلى الجانب الآخر هناك تقصير في تأهيل أعضاء هيئة التدريس في الأقسام العملية وتحديداً في المجال الرقمي، وهذا التقصير يقع على الجانبين من إدارة الجامعة والأساتذة أنفسهم، فالسرعة الكبيرة التي لحقت بمجال الصحافة الرقمية تحتاج إلى مرونة كبيرة في التعلم وصقل مهارات الأساتذة وتعلمهم وتدريبهم على الإعلام الرقمي ليتسنى لهم تقديم مناهج دراسية مواكبة للتطور، وتؤهل الطلاب للحياة العملية ما بعد التخرج . إضافة إلى ذلك هناك أيضا قلة في تلك الأنشطة التي تؤهل الطالب إلى الانخراط في الجانب العملي، فتقوم الجامعات على تخريج طلاب إعلام مثقفين لكن يفتقرون إلى المهارات والقدرة على إنجاز وإتمام العمل الصحفي، هذا ما يجعل الصحفي مشتتاً بعد تخرجه، ظنًا أنه في تخرجه أصبح مؤهلا للعمل الصحفي وقادر على إتمام ما يُطلب منه، ويحدث العكس. إن الجانب الثقافي الذي تغذيه الجامعات مهم بالتأكيد، ولكن هذا ليس كافياً فالثقافة وحدها لا تكفي ما لم تشرك بمهارات وقدرات عملية تفكيرية .
فتخصص الصحافة والإعلام لا يشبه أي تخصص في كلية العلوم الإنسانية، بل يجب الحذر في التعامل معه وفي المناهج التي تقدم، فالصحفي في نهاية الأمر سيكون رجل رأي، وليس ذلك أيضا، بل يصنع فكراً فأمامه مسؤولية اجتماعية على عاتقه وهو بحاجة إلى تأهيل كبير يبدأ من قدرة أساتذة مؤهلين مدركين إلى حجم رسالتهم في تأهيل قادة رأي قادرين على إكمال المسير في مجال الصحافة، وهذا سيحدث بوجود مادة تكون أمامهم وتحاكي الواقع .إن لم تعِ الجامعات حجم ما يحدث مع الإبقاء على وضع الصِّحافة التقليدية موضع تدريس دون تحديثها لما يتلاءم مع الواقع الرقمي لن تكتفي بتخريج أجيال يحفظون فقط، بل ستنشئ جيلاً من طلبة الصِّحافة أُميّون في التعامل مع الصِّحافة الرقمية، وهذا سيشكل صدمة في التعامل مع هذا العالم الذي يشهد صراعا في التحولات الرقمية المعززة الآن بقوة الذكاء الاصطناعي .
فلو أردنا الخروج بمجموعة من التوصيات التي قد تسعف جامعاتنا العربية بتطوير المناهج الدراسية للصحافة والإعلام فهذا يبدأ بتوفير قدرات بشرية متخصصة في التدريب يستند إليهم التدريب العملي للطلاب مع أعضاء هيئة التدريس الذين يدرسون الجانب النظري، وعلى الأساتذة اعتناق الثقافة الرقمية وهذا لا يعني الاستغناء عن الصِّحافة التقليدية، بل هي مكملة لها،أيضًا البحث وإعداد الدراسات النظرية للواقع العربي في مجال الصِّحافة بعيدًا عن نظريات الغرب وإضافتها للمناهج الدراسية لتخريج أجيال تعي حجم واقعها تمامًا ،أيضا استحداث المناهج الدراسية التي لا تعتمد على التلقين المباشر، بل تركز على الكتابة والأبحاث والقدرة على التفكير وإيجاد الحلول، وهذا بحاجة إلى تكاثف الجهود الجماعية من إدارة الجامعة وهيئة الاعتماد للمناهج الدراسية ومشاركة أستاذة مؤمنين بأنهُ حان الوقت لإضافة الكثير من المعارف والعلوم الرقمية لخبراتهم المتتالية و لا مانع من تعلم ما يتصدر لنا من تطور علينا مُجاراته.
التركيز على المناهج التي تدعو إلى الاختصاص، وليس الشمولية لما تقتضيه متطلبات العصر،أيضًا يجب التركيز على التدريبات العملية في الجامعات والتشبيك مع المؤسسات الإعلامية بقطاعيه الخاصوالحكومي، ويبقوا على اطلاع على آلية السياسات التي تتبعها المؤسسات في عملها، ختامًايجب توفير برامج في الجامعات العربية للتبادل الثقافي والاستفادة من الجامعات التي أحرزت تقدمًا في ذات المجالمن منطلق الصِّحافة البناءة .