نبض البلد -
إن النصر والهزيمة هو في الحقيقة طريق طويل يبدأ بإعداد الأمة لتتفاعل مع قضاياها المصيرية بطريقة تحقق الإيجابية ، وأهداف تساهم في إحباط مخططات اعداء الأمة وفي تقويضها وتقويض اركانها .
ما نجح اليهود ولا غيرهم في النيل من الأمة إلا في زمن تخلفت فيه الأمة والقيم والأخلاق وغاب الوعي عنها ، فأصبح كل واحد منهم هو ذات مستقلة ، ويُجمع علماء الإجتماع من إبن خلدون إلى يومنا هذا بأنه عندما يصبح عالم الأشياء مقدما على مفهوم الجماعة كجماعة والحرص على مصالحها وبقائها ، وعندما يصبح مفهوم الجماعة مقدما على مفهوم الأفكار تلك الأفكار التي تساهم في خلق القيم والوعي وتصنع الإنسان الحضاري عندها تصبح الأمة في خطر .
البعض يتساءل لم نتعب أنفسنا في صناعة الوعي ، لأنه ببساطة الفرق هو في هذه الصناعة ، ربما يختلف الوعي بإختلاف القيم والعادات والأخلاق والأفكار المطروحة في المجتمع ، ولكن العقل الجمعي هو في النتيجة نتيجة جهود سابقة في العلم والعمل والتربية ، لن يكون بمعزل عن هذه الجهود فهي التي تحدد إتجاهات القوى في هذا المجتمع وإلى أين تسير .
الوقفة التاريخية لأهل الشام ومصر في وجه المغول كان لها أسبابها ، فهي لم تكن وليدة اللحظة ولكن كانت نتيجة إعداد مجموعة من العلماء مثل العز وابن تيمية في صناعة الوعي وبعض القادة من أمثال قطز وبرقوق وبيبرس ، نعم وما غير ذلك فرّ من وجه المغول ، وما ساهم في عدم قدرة المغول على المضي قدما في فتحهم هي تلك الوقفة الباسلة في معركة عين جالوت .
وحتى نستطيع فهم هذا المصطلح بوضوح ، علينا أن نعود إلى الإنسان الصحابي ، نعم ذلك الإنسان الذي تجرد من جاهليته وعاداته ومفاهيمه ، واستطاع صياغة نفسه صياغة مختلفة ليخلق هذا الذات المختلفة إختلافا مطلقا عن كل صور الأخرى الموجودة في بيئته .
فهو حرر نفسه ليعيد صياغتها تلك الصياغة التي تتفق مع المنهج الجديد ، نعم المعلم صل الله عليه وسلم كان موجودا وكان صمام أمان في تحقيق هذه المفاهيم ، وكان يضرب بقوة على كل تلك المفاهيم التي لا تتفق مع المنهج الجديد ، ( إنك إمرؤ فيك جاهية ، لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في معروف ، إنك ضعيف وإنها أمانة ) لأنه مشرع ويدرك تماما كيفية صياغة الإنسان تلك الصياغة التي تساهم في بناء الحضارة .
فهذه الشخصية لا مكان فيها لعصبية ولا لآبائية ولا تتلقى أوامرها إلا بعد عرض هذا الأمر على المنهج الذي بين يديها ، فإن كان موافقا قبلته وإلا رفضته ، ومع وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، ومع دقائق التصرفات التي رشحت من هنا وهناك ، تدرك كم كانت التربية عميقة وعظيمة ، فمواقف الصحابة كانت كأنها تصدر من مشكاة واحدة وتصب في مكان واحد إلا في مواقف فردية ، هل كانت بسبب الوعي أو بسبب الشخصية أو بأسباب أخرى ، وكأن المقاصد والأصول لهذه الدعوة ولهذه الشريعة كانت مساقا إلزاميا لهم ، وكانت سببا في هذا الفهم ووحدة الوعي والقرار لديهم .
وتقف بعد ذلك مع علماء الأمة ومحاولتهم الجادة في فهم هذا المنهج وتحليلة وسبر أغواره والوقوف على أسباب القوة فيه ، حتى نعيد ذلك الجيل من جديد إلى ما كان عليه .
ولكن هل من الممكن أن ننجح؟
إبراهيم أبو حويله...