نبض البلد -
بداية من يظن انني في خضم ما يدور من امور عِظام.. ساتحدث في السياسة وعن ما يدور في غزة.. وما حدث لفلسطين منذ البدايات.. فلا يغلب نفسه بالقراءة ولا بالتحليل.. فانا لست ضليعا بهكذا أمور..
ولا اخفي سرا بان ما يحدث يجعل كل الافكار تتداخل.. وتجعل من هم مثلي يكتبون فلا يشتتون انفسهم فحسب.. بل ويشتتون من يقرأ لهم..
لا اعلم لماذا اخترت هذا المثل ليكون العنوان في هذه الظروف.. والذي يستخدمه الناس ليدللوا على امر يعتقدون منذ بدايته.. انه نذير ومؤشر على ان الاسوأ قادم لا محالة..
ولكنني كنت اتحدث مع صديق مقرب والذي فضفض وتحدث لي عن تجربته مع طليقته.. فوجدت ان ما عاناه قد حرك يدي لا شعوريا لالتقط هاتفي واكتب..
يقول صديقي والذي اعتلى الخذلان نبرة صوته.. انه تزوج من صبية ذات حسب ونسب.. ولا تعرف من التفاهات ولا العادات والحياة الانفتاحية شيء.. وبعد ان علِمت وتاكدت بانها لا يمكنها الانجاب.. طلبت من زوجها ان تعامل لكي تملأ وقت فراغها.. فيقول وافقت على مضض.. لاني اعلم ان مجال عملها سيكون في بيئة تتعامل بانفتاح.. إلا اذا عقدت العزم على ان تجابه كل من يحيطون بها من خلال تحكيم مبادئها.. وتركز على عملها فقط.. وكانت تعلم ذلك جيدا.. وابدت تفهمها واصرارها على ضبط الامور..
يقول صديقي.. بدأت زوجتي تتلقى اتصالات من زملاء وعملاء خارج اوقات الدوام.. وهذا الامر كان بمثابة المحرمات عندها حتى من الاقارب.. وحين نبهتها لهذا التغير في ما اعتادت عليه.. امتعضت من مخاوفي.. وابدت انها تضع حدودا لكل شيء.. وتميز طبيعة المكالمات..
وما هي الا فترة وجيزة.. حتى انها اصبحت تخبرني بطريقة طلب الاذن بان تلتقي زبائن في اماكن عامة او تزورهم في اماكنهم وجها لوجه.. بعد ان كانت تتعامل معهم على الهاتف.. وكانت حجتها ان الشركة تطلب منها ذلك كل فترة.. وكان بامكانها ان تزور وجاهيا زبائنها من الاناث لكي ترضي ادارة شركتها.. الا انها لم تهتم لذلك..
استمر الحال في التنازل من قبلها عن مبادئها شيئا فشيئا.. مع مجاراتي لها لعلها تفيق مما هي مقدمة عليه.. وما هي الا سنة واحدة.. حتى اصبح كل شيء عندها مباح.. وان اي ملاحظة ابديها حتى وان كانت بالدليل.. تأخذها بمثابة التقييد ومحاولة افشالها في عملها.. وحينها وصل الحل الى حد الكي او الجراحة.. فخيرتها بيني وبين حياتها الجديدة.. فلم تتوانى في اختيار حياتها البعيدة عن كل ما تاصلت عليه.. وآمنت به.. وما ساعدها على ذلك.. هو دعم كل من هم مستفبدون من هذا الحال الذي وصلت اليه.. فهم من برروا تصرفاتها بانها لصالحها.. وان الامر اصبح واقعا ومستساغا.. على الرغم من انه منافي لما تربينا عليه.. وفيه خراب لبيت تم انشاؤه بشكل طبيعي..
ما حصل مع صديقي.. مُعرَضٌ اي شخص او مجموعة او حتى امة ان تتعرض له.. فبداية الخسارة تكون بالتنازل شيئا فشيئا.. ولم اسمع في التاريخ ان خسارة حدثت مرة واحدة.. حتى من يلعب القمار.. او يدمن المخدرات.. او يسير في اي طريق سيء.. لا يكون بشكل كامل ومن اول مرة.. وانما يكون بالتدريج والتعود.. ومن ثم يصبح امرا واقعا ومن الصعب العدول عنه.. ويتم استساغته والتعامل معه على انه امر واقع..
ولم اسمع عن بلد تم احتلاله.. وتدجين وحتى تهجير اهله دفعة واحدة.. وانما يكون بالتدريج والتنازل من قبل مواطنيه.. قسرا او خيانة جزءا جزءا.. حتى يصبح ابناؤه عبيدا عند المحنل.. وحتى يصبح ابناؤه يستجدون جزءا من حقوقهم ممن اغتصب ارضهم..
والمشكلة إن اصبح من تدجن ووالى يستكثر على من بقي حرا طليقا اي محاولة لتحريره..
عذرا فلسطين فقد كدت انساك.. وعذرا غزة فما عاد كلام يفيد.. عذرا فقِصَر اليد وقلة الحيلة هي ما نحن عليه..
عذرا فلسطين فقد انقلبت الموازين منذ ان بدأنا جميعا بالحنجلة.. واصبح التنازل عنك شبرا شبرا.. حتى اننا رضينا بالهم.. والهم ما رضي بينا..
فاصبح العرب ينادون بقطعة ارض يضعون عليها العلم ويافطة باسم فلسطين.. واعداؤنا يستكثرونها علينا..
واصبحنا ننادي بالتهدئة.. وهم ينادون باستمرار القتل والتدمير..
وكنا نعتب على الغرب الصامت.. ويا ليته لم يسمع عتبنا وبقي صامتا ولم ينطق.. فاصبح ينبح لمواصلة القتل والتشريد ضد اصحاب الارض.. ويساند الظالم والباغي على ما هو عليه..
وحتى في خطاباتنا كنا اقوياء.. واصبحنا ننادي بحقنا على استحياء..
في الختام.. عذرا لكم جميعا.. فالذي يحدث في فلسطين امر جلل.. وما اسمعه واشاهده مِن مواقفِ مَن يتشدقون ويدَّعون المناداة بالعدل والسلام والانسانية.. وهي منهم براء.. فقلبوا الحق باطلا.. والباطل حقا.. جعلني لا استطيع ضبط بوصلة عقلي لاكتب شيئا مترابطا.. فكانت فقرة من هنا.. واخرى من هناك..
محمود الدباس - ابو الليث..