نبض البلد -
في ضوء الأحداث الأخيرة ، وإتضاح مدى وقاحة الموقف الغربي من قضية فلسطين ، والدعم الفج لكل ما يقوم به عدو الأمة من تجاوزات بحق المدنيين والمقدسات والقوانين والأعراف الإنسانية والدينية والدولية ، لا بد من إعادة النظر في تقييم هذا العدو وطريقة قيامه وفهمه وفهم دوافعه في ضوء تحديد آلية التعامل معه .
الدعم المطلق من بريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية كان الإساس الذي قام عليه هذا الكيان ، إلى أن قامت الولايات المتحدة في أربعينيات القرن الماضي بالمشاركة بهذا الامر ماليا وعسكريا ، علما بأنه بلغ مقدار الدعم الذي تلقاه الكيان من أمريكا وحدها تجاوز مائة واربعين مليار دولار .
ولا إداري كيف سيكون الحال لو تم توظيف هذه الأموال لإيجاد حل سلمي عادل بين جميع الأطراف ألم يكن ذلك أفضل لمصلحة الجميع ، فمن الممكن عندها إيجاد الكثير من الحلول العادلة لانهاء هذا الملف بشكل يضمن الحقوق للجميع .
الغرب ينقسم في دعم الكيان إلى ثلاثة أقسام سياسي وديني وإجتماعي ، يوضح الأولى ما قاله ترومان في قضية اليهو د وهجرتهم إلى فلسطين ، حيث أكد أن قضية العرب هنا قضية عادلة ، واليهو د أنانيون جدا حسب قوله في مذكراته ، ولكن العرب لا يمكلون ناخبين بمئات الالاف في امريكا فأنا مضطر لمخالفة أراء المستشارين الذين كانوا يقولون بأن هذه الدولة ستشعل المنطقة ، ودعم اليهو د طبعا فهم من يملكون أصوات تلك الفئة التي تدعم فكرتهم عقديا ، وتسعى للمواجهة المحتومة بحسب الرواية الدينية عند هذه الفئة من الطرفين .
نعم إستطاع اليهو د خلق تحالفات عالمية سابقا تسعى لإيجاد واقع على هذه الأرض ، والفكرة الإجتماعية حاضرة في أذهان رجال الدين منذ فجر التاريخ، بل تم صياغة هذه العقيدة بشكل كامل على هذا الحلم في قيام تجمع إجتماعي ذو طبيعة دينية لهم في فلسطين.
وأن هذا الحلم هو طريق الخلاص لهم ووصولهم إلى هدفهم العقدي ، والذي يحقق لهم هدفهم الأسمى ، طبعا لعب رجال الدين اليهو د على هذا الأمر لخلق تحالف إجتماعي إقتصادي ديني ، كان من المستحيل أن يتحقق بين هذه الفئات المشتتة في أصقاع الأرض بدون وجود هدف أسمى.
وهنا إستطاع رجال الدين بخبثهم أقناع أتباعهم ، وليس أتباعهم فقط ولكن خلق طائفة جديدة في المسيحية تتبنى هذا الفكر ، وتضع الخلاف الديني المسيحي اليهو دي جانبا لحين الإنتها من هذه المرحلة.
طبعا هنا يجب أن نعلم بأن اليهو د ركزوا على نقاط مختلفة أقتصادية وإجتماعية ودعم سياسي لكل من يتعاون معهم في مشروعهم ، واستطاعوا الوصول إلى كل الأمكان التي تضمن تحقيق هذه الغاية لهم ولمن يريدون السيطرة عليهم .
فسعى اليهو د للمساهمة في أعطاء الدولة العثمانية الأموال التي تسعى لها ، خاصة في تلك الفترة التي ضعفت فيها هذه الدولة ، وأستشرى الفساد في السلاطين ، وسعى اليهود للسيطرة على كل مفاصل المال والإقتصاد العالمية وشاركوا في الحروب التي خاضتها الدول الغربية في تلك الفترة ، وكان الهدف في البداية إيجاد وجود في فلسطين ، ثم تطور هذا الطلب إلى دولة مع العرب والمسلمين ، وبعدها أصبح سيطرة على كاملة على الأراضي التاريخية في فلسطين المحتلة .
يتضح مدى العنف الذي مارسته الصهيو نية في إفراغ الأرض من أهلها ، من خلال التصرفات الإخيرة التي تقوم بها ، علما بأن الإلتزام العقدي لدى هذه الفئة هو أقل بكثير من تلك الفئة التي تحقق على يديها إحتلال فلسطين ، فتلك الفئة كانت تنطلق من عقيدة واضحة بأن هؤلاء أغيار ولا بد من القضاء على الرجال والنساء والأطفال ومن يبقى يجب أن يكون عبدا لهم وفي خدمتهم ، والموقف الدولي والإعلامي والعربي اليوم قد تغير بشكل كبير ، ولا يسمح لهم بممارسة ما كانوا قادرين على ممارسته سابقا بدون هذه الوسائل .
الموقف الفلسطيني الداخلي هو ما يجب إعادة التركيز عليه بشكل كبير ، حيث استطاع اليهو د تقسيم هذا الوجود إلى ثلاثة مجموعات ، غزة ومن فيها ، وهم يتعاملون معها على أساس السعي الدائم وراء الحاجات الأساسية من طعام وشراب وكهرباء ، وشيء قليل من الحرية يتم التقطير عليهم بها وفق آلية قائمة على السعي الدائم وراء هذه الحقوق ، والضفة الغربية وهذه تم إغراقها كما أشار إلى ذلك مدير قناة الجزيرة سابقا وضاح خنفر ، فتم إغراقها بالحياة وبالبناء وتأمين إغراق مادي قائم على السماح لهم بكل المظاهر المادية المتاحة ولذلك تجد مشاركتهم في هذا الصراع الاخير محدودة جدا ، وأخير من تبقى في فلسطين الثمانية وأربعين هؤلاء حسب خنفر نفسه تم تشكيل بعض الأفراد منهم على شكل عصابات وتم مدهم بالسلاح والتغاضي عما يقومون به من تجاوزات بحق الفلسطينيون في الداخل .
ما يقوم به اليهو د اليوم هو التعامل مع كل مشكلة بشكل منفصل ومحاولة فصل الأخرين وعدم إشراكهم في التصفية التي تتم لهذه الفئة ، وهذا ما اجد فيه غرابة كبيرة ، فقد أتفهم موقف اليهو د من ذلك ، ولكن لا يمكن التقبل بأي شكل أن يتقبل فلسطيني الضفة أو الثمانية وأربعين هذه الخدعة وتنطلي عليهم ، فهي قصة الثور الشهيرة ، وهنا لا بد للوجود الفلسطيني بكافة أطيافه على هذه الأرض من أن يعي بأن الدور قادم عليه ، وأن من لا يُضرب اليوم سيضرب غدا ، وعندها ولات حين مناص .
الغرب ومعهم اليهو د لا يريدان أن يفهما بأن العقلية المسلمة لا تتعامل مع القضايا من بدأ أن الخاسر يسلم ويرفع الراية ويخسر الحرب ويصبح تبعا للأخر ، فهذا غير وارد في العقل المسلم كما أشار إلى ذلك أيضا وضاح خنفر في تحليله ، وهذا ما أجده مقبول تماما ، فالعقل العربي يخزن ويخزن ثم ينفجر دفعة واحدة في عشية أو ضحاها.
ولذلك لحل المشكلة هنا ، لا بد من الإشارة إلى ما يقوم به جلالة الملك من ضرورة وجود حل عادل بين الطرفين في هذه المرحلة على الأقل ، وإلا سيكون الصراع مرشح للإنفجار ، وعندها لن يستطيع أي طرف أن يوقف هذا التصعيد ، خاصة مع كم الغضب الإخير الذي تم تخزينه في النفوس الإسلامية على إختلاف مواقعها نتيجة الاحداث الإخيرة.
لذلك مهما كانت نتيجة المواجهة الإخيرة على الغرب واليهو د تحديدا أن يفهما بأن هذه الحلقة سيكون ما بعدها أصعب منها بكثير ، ولن تكون الأمور كما يريدون ، ولا بد من العودة إلى حل سلمي وعادل بين الطرفين .
إبراهيم أبو حويله ...