استثمر في علاقاتك أولاً.. دراسة جديدة تكشف: “العلاقات الجيدة” سرّ الحياة السعيدة والصحة الجيدة

نبض البلد -
نبض البلد -


كشفت دراسة طويلة المدى، تُعد الأولى من نوعها، تأثير عوامل الحياة المختلفة على صحة وسعادة الإنسان، في محاولة لإيجاد العامل الأبرز والأكثر تأثيراً في فرص الإنسان للحصول على حياة سعيدة وصحة جيدة.

ووجدت دراسة جامعة هارفارد، التي بلغت مدتها 80 عاماً تقريباً، أن العلاقات الجيدة والمودة التي تجمع الإنسان بالمجتمع والآخرين من المقربين في حياته، لم تساعد فقط في رفع معدلات السعادة، بل ساهمت في إطالة العُمر أيضاً.

كيف يمكن قياس سعادة الإنسان وتحديد عواملها؟

عندما يتعلق الأمر بفهم ما يحدث للناس أثناء حياتهم، يكاد يكون من المستحيل الحصول على صور كاملة لإجراء بحث علمي دقيق، فمن الصعب معرفة مختلف الخيارات التي يتخذها الأشخاص والمسارات التي يتبعونها، وكيف يعمل كل شيء بالنسبة لهم ويؤثر عليهم على المدى الطويل.

وبالتالي كان معظم ما يعرفه العلم عن الحياة البشرية يتم من خلال مطالبة الناس بتذكر الماضي، وبالطبع، دائماً ما تكون الذكريات مليئة بالثغرات والأخطاء.

ومن هنا أطلقت جامعة هارفارد دراسة جديدة من نوعها تُعنى بمتابعة الأشخاص منذ أن كانوا مراهقين حتى سن الشيخوخة، لمعرفة ما يهم حقاً لصحة الشخص وسعادته، وما هي الاستثمارات التي أتت ثمارها حقاً.

وعلى مدار أكثر من 85 عاماً كاملة، تتبعت دراسة هارفارد لتنمية البالغين، 724 رجلاً وأكثر من 1300 من أحفادهم من الذكور والإناث على مدى 3 أجيال، وطرحوا آلاف الأسئلة والقياسات لمعرفة ما الذي يبقي الناس أصحاء وسعداء في حياتهم.

تأثير العلاقات الجيدة على جودة الحياة والصحة العامة

خلال سنوات دراسة الحياة تلك، التي بدأت منذ عام 1938، تفاجأ العلماء عندما خلصوا إلى أبرز العوامل الحاسمة لاتساق وقوة الصحة البدنية والصحة العقلية وطول العمر.

فعلى عكس ما قد يعتقده الكثير من الناس، لم يكن العامل الأبرز هو تحقيق الإنجاز المهني أو ممارسة الرياضة أو اتباع نظام غذائي صحي للحصول على عمر مديد وصحة جيدة.

بل كان العامل الأهم والأكثر تأثيراً في مستوى حياة الشخص هنا هو تمتُّع الشخص بعلاقات جيدة في حياته. نعم: العلاقات الجيدة والحميمية المليئة بالمودة والحب تجعلنا أكثر صحة وسعادةً، وذلك وفقاً لبيانات أكثر من 80 عاماً لمئات الأشخاص، بعدما تم إجراء فحوصات طبية لهم، وذهب الباحثون إلى منازلهم وأجروا مقابلات مع آبائهم منذ كانوا مراهقين، وتتبعوهم حتى مراحل الشيخوخة.

الأكثر رضاً في علاقاته أكثر صحة في شيخوخته

وبمجرد تتبع الأشخاص في دراسة هارفارد حتى الثمانينيات من عمرهم، قررت الدراسة مقارنتهم بفترة منتصف العمر، لمعرفة ما إذا كان يمكن التنبؤ بمن يكبرون في صحة ليصبحوا سعداء في ثمانينياتهم، ومن لم يكن كذلك.

واتضح أنه في سن الخمسين كانت طريقة التنبؤ الأدق لتحديد كيفية ومستوى تقدمهم في العمر هي "مدى رضاهم عن علاقاتهم العاطفية والشخصية".

إذ كان الأشخاص الذين كانوا أكثر رضاً في علاقاتهم في سن الخمسين هم الأكثر صحة، عقلياً وجسدياً، في سن الثمانين. وفي الأيام التي قضى فيها هؤلاء الرجال والنساء وقتًا أطول برفقة بعضهم، كانوا أكثر سعادة.

وثبت أن المقياس البسيط للوقت الذي يقضيه الشخص مع الآخرين مهم للغاية، لأنه على أساس يومي كان هذا القياس مرتبطاً بشكل واضح بالسعادة.

كذلك في الأيام التي يقضي فيها هؤلاء الرجال والنساء وقتاً أطول برفقة الآخرين، كانوا أكثر سعادة. بكلمات أخرى، كلما زاد الوقت الذي يقضيه الشخص مع من يحب، زادت سعادته وصحته العامة.

ومثل معظم المتقدمين في السن، عانى المشاركون في دراسة هارفارد من تقلبات يومية في مستويات الألم الجسدي والصعوبات الصحية بسبب الشيخوخة، بحسب مجلة Wall Street Journal الأمريكية.

ومع ذلك، اتضح أن الأشخاص الذين كانوا في علاقات أكثر إرضاءً كانوا محصنين إلى حد ما من تقلبات المزاج المتزامنة مع المرض والألم، ولم تتراجع سعادتهم كثيراً في الأيام التي كانوا يعانون فيها.

ما يعني أن الزيجات السعيدة والعلاقات الجيدة لها تأثير وقائي أيضاً.

تأكيد لدراسات سابقة عن علاقة الوحدة برفاهية الإنسان

يأتي ذلك بعدما توصلت دراسات أخرى طويلة المدى إلى استنتاجات مماثلة حول الدور القوي للعلاقات في صحة ورفاهية الإنسان.

إذ وجدت دراسة علمية تتبعت 3720 شخصاً من البالغين في بالتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2004، أن المشاركين الذين أبلغوا عن تلقي المزيد من الدعم النفسي والاجتماعي أبلغوا أيضاً عن معاناتهم من اكتئاب أقل.

كما وجدت دراسة من عينة تمثيلية من 229 من كبار السن في شيكاغو في عام 2002، أن الأشخاص الذين يُعدون في علاقات مُرضية وسعيدة أبلغوا عن شعورهم بمستويات أعلى من السعادة.

ووجدت دراسة مماثلة في نيوزيلندا، أن الروابط الاجتماعية في مرحلة المراهقة كانت أفضل من التحصيل الأكاديمي في توقع معدلات الرفاهية في مرحلة البلوغ.

هذا يؤكد دراسات سابقة أيضاً أن الوحدة مرتبطة بحساسية أكبر للألم، وضعف جهاز المناعة، وتراجع وظائف المخ، وقلة جودة النوم.

كما أظهرت الأبحاث الحديثة أنه بالنسبة لكبار السن، فإن الشعور بالوحدة هو ضعف صحي يهدد السلامة العامة مثل السمنة، وأن الوحدة المزمنة تزيد من احتمالات وفاة الشخص سنوياً بنسبة 26%.

لذا بالنظر إلى الدليل العلمي، فإن العلاقات البشرية هي من أكثر الأدوات قيمة وأهمية للحفاظ على الصحة والسعادة، واختيار استثمار الوقت والطاقة في العلاقات الجيدة سيؤثر على جودة حياتنا في المستقبل.