سارة طالب السهيل
تمتعت المرأة العربية في العصر الجاهلي بقوة الشخصية والذكاء والفطنة وقدرة التأثير على الرجال وتحريك الامور الى حد اشعال الحرب بين القبائل انتصارا لحظ الكرامة والعزة خاصة لدى قبيلة بني تميم.
فنساء قبيلة بني تميم عبر العصور المختلفة من الجاهلية وحتى عصر الاسلام ولا يزال في زماننا يمتلكن من الجينات الوراثية ما جعلهن محل احترام وتقدير المجتمعات التي يعشن فيها، وحفلت القبيلة بالكثير من الشخصيات النسائية المؤثرة في المجتمع ممن تميزن بالمواقف البطولية، وقوة الشخصية والشجاعة والأدب والبلاغة وفي الحشمة والقدوة الحسنة، واشتهرن بأنهن يلدن النجباء، وتَميَّزَ هؤلاء بالحِلم والحكمة وإظهار كل ما لديها من علم وفكر وتميز .
ولذلك حرص الكثير من مشاهير العرب على مصاهرة بني تميم، وسجل التاريخ أسماء اشهر نساء بني تميم في الجاهلية والاسلام ومنهن الصحابيات اسماء بنت سلامة، اسماء بنت عمر، خولة بنت القعقاع، سلمى بنت صخر والدة ابو بكر الصديق، زينب بنت الحارث، رقية السعدية وام هيثم السعدية اللتان كانتا مرجعا لعلماء السنة، والحمراء عقيلة زرارة بن عدس التي كان لها مناظرة مع ملك المناذرة وهو يهم بقتلها وقال لولا خشيتي ان تلدي مثلك لعفوت عنك.
ففي العصر الجاهلي كان للمرأة صوت مسموع لدى قبيلة بني تميم، خاصة اذا امتلكن سلاح الشعر وهو يرمي بسهام الكلمة فتقع الحروب او تندمل جراح وهو ما قد تجلى في قصة سعاد بنت منقذ التميمية التي اندلعت بسببها حرب استمرت اربعين عاما، فقد استخدم شعر النساء محرضا على حفظ الكرامة والنخوة والانتصار لشرف القبيلة، والثأر والانتقام من تجاوز كرامتها حتى ولو كان ابناء عمومة وحتى لوكان بسبب ناقة، وهو ماحدث تماما في قصة سعاد التي لقبت بالبسوس وحرب البسوس التي قد يعجز كبار كتاب السيناريو في العالم ان يبدع تفاصيلها ويعبر عن دمويتها، لكن شعراء الجاهلية كانوا اكثر ابداعا في وصفها والتعبير عن مآسيها .
وسعاد بنت المنقذ، سيدة وشاعرة كبيرة من أدباء الجاهلية، تنتمي لقبيلة بني تميم التي كانت تسيطر على شبه الجزيرة العربية في الجاهلية، واشتهرت بزرقة العيون وعند العرب ربما يدل هذا على جمال وملاحة وجهٍ عندها لأن ذوات العيون الزرقاء قلة نادرة في المجتمع العربي، وكانت سعاد صاحبة أكبر معركة في التاريخ وجعلت قبائل العرب يتقاتلون طيلة أربعين عامًا، وسميت الحرب على اسمها، وقتلت البسوس على يد جحدر بن ضبيعة فكانت أول من يقتل في حرب البسوس بعد كليب بن ربيعة.
اندلعت الحرب عندما اطلقت البسوس وهي فى جوار بني بكر ناقة لها تدعى "سراب" لترعى فى حما كليب، فلما رأى كليب الناقة ترعى في حماه رماها فشق ضرعها بسهم وادمى راعيها، فعلمت البسوس بما حدث للناقة، فخرجت تصرخ قائلة: "واذلاه واغربتاه"، وقيل انها قالت أبياتاً تسميها العرب أبيات "الفناء"، فسمعها ابن أختها جساس فقال لها: أيتها الحرة اهدئي فو الله لأقتلن بلقحة جارك كليباً، ثم ركب فخرج إلى كليب فطعنه طعنة أثقلته فمات منها، استطاعت سعاد ان تثير في نفس ابن اختها جساس مشاعر الثأر والانتقام بأبياتها الشهيرة:
لَعَمْرُكَ لَوْ أَصْبَحْتُ في دَارِ مُنْقِذٍ
لَمَا ضِيْمَ سَعْدٌ وَهْوَ جَارٌ لأَبْيَاتِي
ولكِنَّنِي أَصْبَحْتُ في دارِ غُرْبَةٍ
مَتَى يَعْدُ فِيها الذِّئبُ يَعْدُ على شَاتي
فَيَا سعدُ لا تَغْرُر بِنَفْسِكَ واِرتَحل
فإنَّكَ في قَوْمٍ عنِ الجارِ أَمْوَاتِ
وَدُونَكَ أَذوادِي فَإنّي عَنْهُمُ
لَرَاحِلَةٌ لا يَفْقِدُونِي بُنَيَّاتِي
فرأت قبيلة بكر في قولها المهانة والذلة إذ انهم عجزوا عن حماية ناقة لمن في جوارهم، فأقسم عمرو بن مرة ويسمى (جساس) بأن يثأر لها وهي خالته، فالتقى كليبا فقتله لتبدأ ملاحم الثأر طوال اربعين عاما بين القبائل والتي لم تؤد فيها دية لقتلى، ولذلك سمت العرب هذه الحرب "البتراء".