نبض البلد -
خليل النظامي
جرت العادة في الحروب والكوارث عبر التاريخ القديم والحديث أن يكون تجار هدفهم الربح وجني الفائدة على حساب المواطنين والأوطان، وكذلك هي المظاهرات والإحتجاجات والاضرابات في كل مرة تحدث في الأردن تفرز لنا شخصيات لم نكن على علم بهم في السابق، يطرحون ويحللون ويناقشون وينظرون على الأداء الحكومي وعلى السلوك الجماهيري، وكأنهم ملكوا العلم والمعرفة والفكر والثقافة بين ليلة وضحاها.
ومنذ أن بدأت موجة إحتجاجات مالكي الشاحنات ووسائل النقل إثر إرتفاع أسعار المحروقات والتي تحولت بين ليلة وضحاها إلى إضرابات في كل المحافظات، وأنا متابع لـ تفاصيل المشهد بدقة عالية وبـ فلسفة تحليلة علمية تستند على أسس ومعايير المنهج الكيفي في قياس وتحليل القضايا.
وقد وجدت ان هناك الكثير من الشخصيات ممن كانوا يغطون في سبات فكري عميق منذ عشرات السنين، بدأوا بـ الظهور عن بعض الأسطح المتهالكة يرشقون ضحالة فكرية قشورية عبر وسائل إعلام محلية وخارجية، نمطية الإعلام فيها أشبه بـ نمطية عمل "معاطات الجاج العتيقة" حول تداعيات الإضراب وأسبابه، ويقترحون بكل سخافة الحلول على الدولة والحكومة وإقتراحات كـ الضرب في الخيال، وبعضهم الآخر تجرأ وجرم الإضراب وهو حق دستوري كفله الدستور لكل مواطن عامل، وآخرون ذهبوا بـ إتجاه الحلقة الأضعف وبدأو برشق الإتهامات والتخوين والأحكام الجائرة على المواطنين بغض النظر عن شرائحهم نظرا لـ الحالة التي يعيشونها عبر منصات وشبكات التواصل الإجتماعي إثر الازمة.
المثير في المشهد أن هذه الثلل التي لم تخرج من عباءة الضحالة الفكرية أبرزهم إعلاميين ترعرعت مهنيتهم في حواضن السلطة منذ الأزل بدون تخصصية صحفية متحررة، وشخصيات قدر لها عبثا أو من خلال منفعة ما أن تكلفت بـ إدارة وزارة أو مؤسسة حكومية في يوم من الأيام، ومذ خروجهم وهم في سبات شتوي، ومتفرغين لـ قيادة الصلحات والعطوات العشائرية وأصبحوا متخصصين في إدارة جاهات الزواج لكل هاو ومستعرضه.
الشخصيات ذاتها في كل مرة يفيقون بها من سباتهم ؛ يحاولون إعادة إنتاج أنفسهم على الساحة من خلال محاولات عادة ما تنتهي بـ الفشل في إيجاد ثغرات لـ الدخول منها لساحة الأضواء الاعلامية مرة أخرى، والظهور بـ صورة الأبطال المنقذين والمحررين لكل قيد إقتصادي او سياسي قيدت به الحكومة نظرا لسوء إدارتها أو لـ ظروف أكبر من ان تتكيف معها، أو كبلت به يوميات مواطن هزمته الظروف والقيود القاسية، متبعين معايير فلسفة عتيقة أسميتها بـ "فلسفة إحياء الأموات سياسيا وإقتصاديا".
والمضحك بـ الامر ؛ أن الواقع الفكري لـ الكثير من هذه الشخصيات مختلف تماما من حيث المضمون عن ما يقومون بـ إدراجه من مقالات وآراء عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي المختلفة، والتي تارة تملأها صبغة التجييش والتحريض ضد الحكومة والدولة، والتخوين والترهيب لـ المواطنين المتضررين والبسطاء تارة أخرى، الأمر الذي يشير إلى ان الكثير منهم يعملون كـ عمل "ريموت" التلفاز المركون بـ محاذاة "صينية الشاي البارد"، لا يحرك ساكنا ولا يسكن متحركا إلا حين يتقرر إستخدامه من قبل مالكه.
وبـ الرغم من أن ما يقومون بـ إدراجه وكتابته من آراء خاصة عبر منصات التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام ؛ حق لهم مكفول من الدستور المحلي والمواثيق الدولية، إلا أن الكثير من أبناء المجتمع الأردني أصبحوا أكثر وعيا وإدراكا في منهجية تقديم العقل على النص لـ كشف زيف كل متلون لا يكتب ولا يخرج إلا لـ منافع شخصية فقط.
ما أود قوله،،،
لن أتسائل عن إنجازاتكم خلال الفترة الزمنية التي كنتم فيها قادة لـ مؤسسات حكومية وتتمتعون بـ مناصب رفيعه وتتحصلون على منافع ومكاسب خاصة، ولن أتسائل عن سمسرة كانت هنا وهناك مع مستثمر أجنبي أو محلي منتفع، ولن أتسائل عن عطاءات ألزمتموها لـ فلان وفلانه، ولن أتسائل عن أحلام شاب جاء من القرية بعلمه وأخلاقه الرفيعه لخدمة وطنه ودمرتموه بـ أمزجتكم الخاصة، بل سأطالبكم بـ التزام الصمت والوقوف موقف الحياد، ونسيان فكرة أن تعودوا تارة أخرى لـ كرسي السلطة، أو تتحصلون على كرسي من نوع جديد، فـ الأردن الآن يمر بـ حال يعرف أبعاده الجميع، ويخوض معركة ليس لـ الجبناء وأصحاب المنافع المتلونين فيها مطرح ومكان.
الأردن الآن بحاجة الرجال الرجال، وأهل العلم والتخصصية، وبحاجة الرأي السديد غير المبني على مصلحة او منفعة أو إستعراض، الأردن ليس بحاجة لـ عناوين براقة في الصحف والتلفزة والمواقع الإخبارية، وإنما بحاجة خطط إقتصادية حقيقية، لا اقتراحات هوائية ومزاجية مكانها المقاهي والمزارع الخاصة، الأردن بحاجة لـ رجال يشعرون بـ اوجاعه لا جبناء يتغنون لـ الإستفادة من نزيفه، فهذا الأردن يا سادة ... وما أدراكم ماذا يعني لنا الأردن....!!!!!