د.أنور الخُفّش
جاءت زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي المثيرة للجدل إلى تايوان وسط تحذيرات متزايدة القسوة من رُدود إنتقامية من بكين وتصعيد التوترات بين الولايات المتحدة والصين. ليجادل في أهمية التعامل مع الصين كعُنصر ضروري في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ويقول إنه إذا لم نُتابعها ، فإننا نُضيِّع فُرصاً لمزيد من التعايُش السلمي بين البلدين والعالم . قال مات أبوت ، مدير الحكومة والعلاقات الدبلوماسية بالمجلس ، "قد يجعل هذا الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة للعمل مع الصين في مجموعة كاملة من القضايا ، بما في ذلك مكافحة تغيُّر المناخ ، والتجارة ، ونزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية". بي بي سي. "لكن إذا ردَّت الصين بقوة شديدة فإنها تُخاطر بتوحيد الجمهوريين والديمقراطيين في الكابيتول هيل. هل ينبغي للولايات المتحدة أن تتبنَّى أو ترفض التعامل مع الصين؟ القوة الفاعلة عبر مساندة الحلفاء وتحقيق المصالح عبر الحدود.
إنتعميق مفهوم التشارُكيَّة ضرورية في إعادة تشكيل العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ، إجراء محادثة متعمقَّة حول الإستراتيجية العسكرية و هجوماً عسكرياً كبيراً لإستعادة تايوان . مع مناورات الصواريخ القتال الذي إشتمل على أحدث تقنيات الأسلحة جنباً إلى جنب مع التكتيكات التي تشبه غالباً قتال القرن العشرين ، ماذا تكشف هذه المناورات عن مستقبل الحرب؟
بدأت أزمة مضيق تايوان لعام 2022. لم يتضِّح بعد كيف ستتكشَّف ، أو متى وكيف ستختفي ، ما هو واضح هو أنه كان من الممكن تجنًّبها بالكامل.
أُحذِّر كمراقب وباحث بالشؤون الإستراتيجية ، من تَغوُّل حالة عدم إدراك و فهم طبيعة تشابُك العلاقة الإقتصادية بين الولايات المتحدة والصين التي تتجاوز اليوم أي شيء يمكن لأوروبا أو أي دولة في العالم تقديمه لأمريكا عوضاً عن الصين ، ولكن من المفيد أن تعمل الإداره الأمريكية على التغيير ، بأن لا يكون هذا هو الحال دائماً . لا ينبغي أنّ تفويت فرصة إبتكار وتنفيذ إستراتيجيات طويلة المدى تُحقِّق الإستقرار الإقتصادي والأمن في الولايات المتحدة والصين ، والتَحوُّط من أن تُصبح أي دولة مجاورة أخرى باباً خلفياً للتأثير المباشر في ساحة أمريكا الخلفية. ينتظر المراقبون مسار الأحداث في قادم الأيام ، إلى أين تتَّجه سيعتمد على ما إذا كان لا يزال هناك مجال لحفظ إمكانيات وفُرص للتفاهم المتبادل بين واشنطن وبكين وتايبيه. خلاف ذلك ، من المُحتمل أن يؤدي ذلك إلى تعميق الهُوة في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ، مقتضيات السِلم العالمي في حاجة ماسّة إلى جهود لوقف دوامّة الإنحدار نحو المواجهة العسكرية .
من المفيد أن تعترف الإدارة الأمريكية ، كون الأزمة السياسية والإجتماعية والإقتصادية وأزمة الصحّة العامّة الحالية ، أعاقت قُدرة أمريكا على مواجهة التحديات الخارجية. وكذلك أيضاً إن سياسة التعليل والتبرير وإلقاء اللّوم بشكل أساسي على الصين وروسيا وتركيا وإيران ، وتمّ شُمول القائمة السعودية والإمارات بما يخُص ضبط أسعار الطاقة ، كونها سياسة فشلت. من المعروف أن أي عملية سياسية تُقاس بنتائجها ، وفي المقام الأساس كونها طريق غير منتجة للحلول في العديد من المشكلات التي تَسبَّب بها الأمريكيون إلى حد كبير.
، الخط الساخن من جديد مع الصين ليس هو الحل , RAND بصراحة أكثر ، مؤسسة راند
كما تُسلِّط الضوء ، عندما إلتقى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بنظيره الصيني الوزير وي فنغي ، على هامش حوار شانغريلا في يونيو ، تم التوصُّل إلى نتيجة واحدة بكل وضوح أن فترة (المنافسة الإستراتيجية) الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية ، دخلت مرحلة المواجهة والتصعيد ، كما عبَّر عدد من المراقبين ، يرى المسؤولون الأمريكيون على ما يبدو خطوط الإتصالات الساخنة لا تكفي كونها أدوات لتسكين الأزمات بدلاً من حلّها . من الأفضل للولايات المتحدة تغيير توقعاتها ، وفهم كيفيّة نظرة جمهورية الصين الشعبية إلى إتصالات الأزمات ، كون أهداف الطرفين غير متوافقة وتحويل التركيز إلى العملية التفاوضيَّة الداخلية المشتركة بين البلدين ، التي سيُنسِّق بواسطتها صانعو السياسة الأمريكيون في أي أزمة مع بيجين.
يقرّ الوزير أوستن وكذلك العديد من كبار القادة داخل إدارة بايدن بضرورة إيجاد المزيد من الخُطوط الساخنة بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية ، رغم إعتقادهم أن آليات الإتصال في حالات الأزمات بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية مُتخلِّفة. كما قيل: (يُشكِّل عدم كفايتهم خطراً واضحاً وقائماً من سوء الفهم المحتمل الذي يمكن أن يؤجِّج مواجهة عسكرية خطيرة بين الولايات المتحدة والصين في وقت تتصاعد فيه التوترات الثنائية في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي) ومع ذلك ، فإن لدى البلدين إفتراضات وأهداف مختلفة حول الخُطوط الساخنة.
إذا لم ينكسر ، فلا تُصلحه ، نظرة وسياسة أمريكية خاصة ، بإتجاه ترسيخ إدامة الصراع ، إن رغبات الولايات المتحدة في "خط ساخن أحمر" جديد قد لا تُلبِّي توقُّعات الولايات المتحدة لأن كبار قادة الجيش الصينيليسوا مُخوَّلين للتحدُّث إلى الجيوش الأجنبية أثناء الأزمات. فقط قادة الحزب الشيوعي الصيني المدنيُّون في بكين المُخوَّلين بالتدقيق في نِقاط الحوار والموافقة عليها ، نتيجة لذلك من غير المحتمل أن يعمل الهاتف الأحمر على تسريع هذه الديناميكية. من مقتضيات الضرورة التعرف على مفاهيم جمهورية الصين الشعبية لطريقة الإتصال المناسبة لهموقت الأزمات. كما يستوجب على الولايات المتحدة أن تنظُر بإهتمام بالغ في توسيع فهمِها لمقاربات وكيفية وآليات عمل الإدارة الصينية "لإدارة الأزمات" بإعتبارها متميزة عن "إتصالات الأزمات" بين الدول الأخرى. يُمكن أن يُساعد فَهم وجهة نظر الصين وقُبولها (وعدم محاولة تغيير رأيها) فإن على قادة الولايات المتحدة العمل على تغيير الخُطط وبالحد الأدنى تعديل توقعاته .
أخيراً ، نهج مفاهيمي جديد لإدارة الأزمات؟ على الولايات المتحدة أن تُعيد صياغة مفهوم "إتصالات الأزمات" كمُكوّن لمفهوم أوسع لـ "إدارة الأزمات". على صانعي السياسة في الولايات المتحدة إعادة صياغة إدارة الأزمات كنوع من أنواع الردع وليس كأداة للتخفيف من حدّة التصعيد ، من بين الأولويات المُدرجة في ورقة حقائق إستراتيجية الدفاع الوطني.
يجب بذل جهد لتوحيد المفاهيم من خلال مناقشة تعريفات "إدارة الأزمات" ، للكلمات معاني مختلفة لأُناس مختلفين ، خاصّة عبر اللغات والثقافات المختلفة. كذلك يجبالعمل بجديّة على إستكشاف الأفكار والمفاهيم المختلفة حول "الأزمة" لتجنُّب المفاهيم الخاطئة وتوحيد النظرة حول مفاهيم الإتصالات في الأزمات ومنع الأزمات وإدارة الأزمات. لا يوجد طريق سوى استئناف هذا الحوار ، ومن الأفضل إعادة صياغة فريق نحو (مجموعة عمل إدارة الأزمات) . كما يجب أن تنظر هذه المجموعة إلى ما هو أبعد من "طرق الاتصال" ، وبدلاً من ذلك التركيز على وضع نهايات للأزمات قبل حدوثها بل منع حدوثها .
بينما يتركَّز الإهتمام العالمي على أزمة مُحتملة بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان ، تكشف لعبة شدّ الحبال الأخرى بين القُوَّتين العظميين على بعد 3500 ميل إلى الجنوب الشرقي حول أرخبيل صغير في جنوب المحيط الهادئ أصبح نقطة ساخنة للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين . الشيء المُلفت للإهتمام كون المنافسة بين الولايات المتحدة والصين تزداد تشدُّداً و أصبح نقطة ساخنة للمنافسة وصولاً الى جنوب المحيط الهادئ ، بينما تبقى أستراليا الشريك الأمني المفضَّل وأن إستدعاء الصين في حالة الضرورة فقط وحال إتساع هُوَّة الفجوة منعاً لحدوث المفاجئات غير المحمودة بل المفجرَّة لحروب مدمِّرة.
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com