الأكاديمي مروان سوداح
تعيش الجزائر الشقيقة اليوم بقيادة الرئيس عبد المجيد تبّون، في كنف الدولة الوطنية العادلة، التي تصطف برمتها إلى جانب شعبها، مدافعةً عنه وعن مصالحه ومكانته عالمياً، وها هي الجزائر قد شرعت في ظل رئاسته في عَملانية مُبهرة لإصلاحات شاملة في المؤسسات السياسية والاقتصادية وفي غيرها كالاجتماعية، ولتحسين الموارد المالية، وتم انتخاب هيئات تشريعية جديدة، بادرت إلى تفعيل منزلة الاقتصاد وكل ما في بواطن الأرض الجزائرية عالمياً، وتعظيم شأو هذا الاقتصاد ودوره داخلياً ودولياً. وبالتالي، غدا النفط الثروة الوطنية للجزائر، والوسيلة الناجعة لتعزيز استقلال البلاد ورخاء شعبها.
في جانب آخر، كانت رسالة التهنئة التي بعث بها الرئيس الفرنسي مكرون، إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، بمرور 60 عاماً على استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي الذي دام فعلياً أكثر من 132 سنة (علماً أن فرنسا احتلت مدينة الجزائر في 05 يوليو سنة 1830)؛ اعتبرها كثيرون اعترافاً صريحاً من باريس بخطيئة احتلال فرنسا لهذه الدولة العربية المُسالِمة، بينما كان إكليل الزهور الذي وضعته باريس؛ وفقاً للأنباء؛ باسم مكرون؛ على ما يُسمَّى "النُصب التذكاري الوطني لحرب الجزائر والمعارك في المغرب وتونس!"، في "رصيف برانلي" في باريس، "إحياء لذكرى الأوروبيين الذين قتلوا في وهران في نفس يوم الاستقلال، في 5 يوليو 1962"!، ليس سوى خطوة استفزازية ليس للشعب الجزائري المُسَالِم فحسب، بل ولجميع أبناء الأمة العربية وأحرار وشعوب العالم الديمقراطية، وهي خطوة يؤكد متخصصون سياسيون بأنها إحياءٌ للنهج الاستعماري الذي ما زال متغلغلاً في تلافيف "العُقداء السود" الباريسيين.
الاستفزاز الثاني الذي برز إلى جانب هذه الأحداث في خضم استعادة ذكريات المجازر الفرنسية بحق شعب الجزائر، هو ما جاء في بيان "الإليزيه" بأن "الذكرى الـ60 لاستقلال الجزائر تشكّل فرصة لرئيس الجمهورية لكي يُرسل إلى الرئيس تبّون رسالة يُعبِّر فيها عن "تمنياته!" للشعب الجزائري، ويُبدي أمله بمواصلة تعزيز العلاقات (القوية أصلاً!!!) بين فرنسا والجزائر"، ونقل البيان كذلك عن مكرون: "تأكيده مجدّداً التزامه بمواصلة عملية الاعتراف بالحقيقة والمصالحة لذاكرتي الشعبين الجزائري والفرنسي"! لكن مكرون نسي أو تناسى أن يُفصِّل ماهية تمنياته هذه، وأبقى عليها مجرد "تمنيات" مجهولة؛ وفقاً للمنشور على وسائل الإعلام المختلفة الناطقة بالعربية.
لا يستطيع كائنٍ مَن كان، أن يدَّعي بأن الصِلات بين الجزائر وفرنسا عادت أو أنها "تعود إلى طبيعتها"، عِلماً بأن رئاسة مكرون شهدت على الدوام تهرباً منه من مسألة مجابهة الحقيقة المُرّة، التي هي سياسته الاستعلائية المتطرفة عنصرياً وقومياً حِيال الجزائريين والعرب عموماً، بينهم عرب آسيا، إذ لم نَشهد في حقبة رئاسة مكرون، وللآن، أي مبادرات أو خطوات للاعتذار أو للأسف عَمَّا اقترفته بلاده من سحل للبشر على أرض شمال إفريقيا التي اكتوت بنار الحملات الاستبدادية الاستعمارية الفرنسية والغرب أوروبية، وصلف دولته تِجاه الإنسان الجزائري بخاصة، والعربي بعامة، وها هو مكرون يتفلت من نطق ولو كلمة واحدة اعتذاراً للجزائريين، فكيف يَصح ذلك وإدِّعائه على الملأ برغبته إقامة علاقات جيدة مع الجزائر.. أم أنه يرى، كبعض ساسة الغرب، أن الدم العربي الذي تهرقه الإمبرياليات الغربية في حروبها على الأرض العربية رخيص إلى هذا الحد؟!
تقول المراجع، وضمنها كُتُب التاريخ التي درسناها في مدارسنا الأردنية والعربية، بأن حروب التحرير الوطني التي دارت بين الثوار والمناضلين الجزائريين وقوات الإمبريالية الفرنسية في مختلف الأصقاع الجزائرية، والتي استمرت ثمانِ سنوات بلياليها، أفضت إلى توقيع اتفاقيات "إيفيان"، في 18 مارس 1962، وإلى نيل الجزائريين والجزائر الاستقلال الناجز في 5 تموز من ذات السنة، بعدما سقط أكثر من مليون ونصف المليون جزائري؛ (عدا الأعداد الكبيرة من الجرحى والمشوَّهين، بينهم الأطفال والرُّضَّع)؛ مُضرَّجين بدمائهم الزكية على أرضهم الطهور التي لفظت الوجود غير القانوني للأجنبي – الدخيل.
تهانينا القلبية والحارة لشعبنا الشقيق البطل في الجزائر، الذي حقّق استقلاله الناجز، وانتصر انتصاراً تاريخياً باهراً ومذهلاً على واحدة من أعتى الاستعماريات الدولية التي عملت فيه ذبحاً وسحلاً يومياً خلال عقود طويلة، وفتح سفراً جديداً في تاريخ الأُخوَّة الإنسانية التي ترنو أبداً صوب السلام والأمان، بعيداً عن الحروب والنزاعات والصراعات، وتتطلع للتنمية والسلام والتآخي، ولتثبيت قواعد الأحكام لمصلحة جميع الأنام.