نبض البلد -
بقلم/لطيفة محمد حسيب القاضي
صدر عن المؤسّسة العربيّة للدراسات والنّشر في عمّان وبيروت ديوان جديد للشّاعر اللبناني/الألماني سرجون كرم بعنوان "سمكريّ الهواء - العليم بكلّ شيء" بتسعة وخمسين قصيدة موزّعة على 176 صفحة. لا ريب في أنّ الإيقاع يهب للقصيدة هويتها الشعرية فيتسلّل إلى قلوبنا. في ديوان "سمكري الهواء" تجد ثمة احتفاء واضح بإيقاع القصيدة ومن هنا تكمن مهارة الشاعر وقدراته على ملء الوعاء بعبير المشاعر الإنسانية والصور الشعرية الدالة واللغة الموحية، شأن اللفظ المفرد الذي يبدو محايدًا وهو في المعجم اللغوي بيد أنه يُشحن بطاقات تعبيرية مضافة في سياق القصيدة الحية.
أعود من غابة الشّعراء/ كما دخلتُ/ذئبًا منفردًا/ مزنّرًا بالرمل المتحرّك/ في التّأويل والخرافة.
تُشكل الصور الشعرية أهم أداة للتفاعل بالعلم لدى المتميز المبدع والأصيل، لأنها نابعة من صميم عملية التخيل ومنه تنبثق وإليه تعود. ديوان" سمكري الهواء" مرجعيّ وإدراكيّ يشكّل محتوى وهدفًا من حيث تنوّع الأفكار، فالفكر داخل البيت الشعري كالسائل داخل الإناء: حلو أو مر أو مالح .
"ونحنُ صاعدون برجَ بابل/وكلٌّ يقطف من عمود الملح/وعمودِ النارِ ورقةَ فتواه/في أشكال الحكمِ/ومسألة الجندرِ وإبرِ تكبيرِ الشّفاه/والشّاعراتِ الجميلاتِ على الفيسبوك/واللايكاتِ فيهنّ...
أقول لنوح: لا ذنبَ لك/سوى أنّك في فلككَ ربطتَ منقار نقّار الخشب".
في "سمكريّ الهواء العليم بكلّ شيء" يشعر القارئ بالحب والجمال وغصة الهمّ والسخرية أحيانَا مما آلت إليه أحوالنا. فيه الطفل الراغب في كل متعة والحكيم العازف عن الحياة والمواطن المقهور والساخط والشاعر الديّان لحركة الحداثة الشعريّة العربيّة . يعيدنا الدكتور سرجون إلى النشاط اللغوي وفقًا لبنية شعرية خاصة به تلقي بالقارئ الحديث إلى لحظة تأمّل ويبعث في هذه الألفاظ المتكلسة نشاطًا لغويًا منحها الدلالات اليومية ضمن السياق الحي للديوان.
"مثل حشرة/يكتب الهايكو عنها/لم أر كائنًا يلبط حائط جنّته/مثل الشاعر العربيّ"، فتخرجُ المعاني من بين يديه إبداعًا جماليًّا ومعرفيًّا فريدًا ينسجُ منه للقارئ فخًّا لذيذًا يقول معه: لا أريدُ أن أخرج من متاهة هذا النّصّ.
الشاعر الدكتور سرجون كرم حمل مواقف وثقافة وأفكارًا ومعتقدات وأخيلة في" سمكري الهواء".