نبض البلد -
نبض البلد -الأكاديمي مروان سوداح
غالبية دول وشعوب المعمورة إمَّا أنها تعاني اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً، جراء الحرب القائمة على الأراضي الأوكرانية لاستئصال شأفة النازيين والفاشيين الجُدد والقدماء على يد روسيا، أو أنها بالفعل - وبخاصة وعلى وجه التحديد الدول الرأسمالية وذات التاريخ والتطلعات الإمبريالية - قد بدأت تعاني كما لم يسبق لها أن تُعاني في شتى الحقول، لتتعلم "على جلدها"، كيف يكون نيل الحياة الكريمة، والكرامة الإنسانية والاحترام المتبادل بعيداً عن أوامر الهيمنة الخارجية والهراوات الاستعمارية والنيوكولونيالية.
وفي جهة أخرى، تعمل الدول الصديقة والحليفة وتتضامن في قضاياها الجمعية وقواسمها وتقاطعاتها الإستراتيجية المشتركة، إذ أنه من المعروف للجميع أن البلدان المتحررة من نير الحُكم الاستعماري بعد الحرب الكونية الثانية، طرقت طريق الاعتماد على "مساعدة" البلدان الاشتراكية والتقدمية الكبيرة قَدَرَاً وقُدرَةً وقُدْوَةً، وتطورت بتسارع، أو أنها تواصل ذلك وتعمل على الانتقال باقتصادها إلى مراحل متقدمة لتفعيل الفكرة التشاركية والاشتراكية، مرفقة بالزوتشية وسونغون لضمان الدفاع عن النفس والانتصار على مختلف التهديدات "الرأسإمبريالية".
سنأخذ في هذا الصدد المِثال الأنصع في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، التي تسير على خطى وأفكار الرئيس كيم إيل سونغ، الذي يُحتفل هذه الأيام بالذكرى ال110 لميلاده، فهو الذي بادر بثبات لتطبيق الاقتصاد الوطني المستقل، وقاد بحكمته النضال لتحقيقه منذ بداية بناء الدولة الكورية الاشتراكية.
فور تحرير شمال كوريا من الاحتلال الياباني، في آب 1945، كان اقتصاد كوريا في حالة يُرثى لها، فقد حَطّم الإمبرياليون اليابانيون كل ما وصلت أياديهم إليه أثناء هروبهم من كورياً مُجرجِرين أذيال الخيبة والهزيمة والانكسار والإندثار.
في ذلك الزمن، حرص الرئيس كيم إيل سونغ على إعادة بناء الصناعات بقوة الشعب الكوري الذاتية، رغبة بإقامة كوريا جديدة، وبناء الاقتصاد الوطني المستقل ولو على كومة من الأنقاض، حيث أُصيب كل شيء بالخراب بجريرة الإمبرياليين في حرب التحرير الوطنية التي جرت ما بين 1950 و 1953.
طرح الرئيس العظيم المسألتين المبدئيتين بغية تنفيذ المهام الخطيرة لبناء الاقتصاد.
ـ أولا: لا يمكن التخلص من مصير "المدين مِثل العبد" في ظروف الاعتماد على مساعدة الآخرين دون توفير الرصيد الذاتي مهما طال الزمن، ولهذا، من الحتمي إقامة الاقتصاد الوطني بالقوى الذاتية فقط.
ـ ثانياً: محافظة الشعب الكوري على عزيمته النضالية ، وإصراره على العيش تحت راية الاستقلالية، سيُفضي لا محالة إلى تعرّض البلاد للضغوط والحصار من طرف المتسلطين. ولذلك، يجب على الشعب أن يمتلك القوى المادية والاقتصادية والعقائدية الجبارة القادرة على تذليل كل العقبات، مهما كانت ضخامتها. وانطلاقاً من ذلك، طرح الرئيس الخط الرئيسي لبناء الاقتصاد الخاص "بإعطاء الأولوية لتطوير الصناعات الثقيلة، مع تنمية الصناعات الخفيفة، والزراعة في آن واحد".
اعترضت القوى المعادية للاشتراكية على سبيل البناء الاقتصادي الكوري بالهجوم السياسي، والعدوان العسكري، والحصار، والعقوبات الثنائية والثلاثية والدولية، وحاول الشوفينيون تقييد الجهود الكورية. زد على ذلك، أن كوريا مُنِعت من استيراد المواد الفولاذية، والآلات، والتجهيزات التي تم الاتفاق سابقاً على توريدها إلى بيونغيانغ.
لكن، لم يتغير ولم يتراجع عَزم الرئيس كيم إيل سونغ، الذي اختار طريق بناء الاقتصاد الوطني المستقل. رفض مطالب الشوفينيين رفضاً باتاً، ودعا جميع أبناء الشعب الكوري بمَن فيهم أفراد الطبقة العاملة، إلى التغلب على المصاعب بروح الاعتماد على القوى الذاتية. تلبية لندائه، حقق الشعب الكوري التصنيع الاشتراكي المذهل خلال فترة 14 سنة فقط، وكذلك الاقتصاد الريفي المتطور الذي صار يضرب به المثل عالمياً.
ذات يوم، تذكَّر الرئيس الخالد كيم إيل سونغ ببالغ التأثر تلك الأيام قائلاً، أنه "لو قضينا الأيام التي انقضت معتمدين على المساعدات من البلدان الأخرى دون بناء الاقتصاد الوطني المستقل، لَمَا حققنا التصنيع، فشعبنا لم يطلب من البلدان الأخرى الصدقات".
توسيع بُنية الاقتصاد المتعددة الأبعاد والجوانب، وبناء قواعد المواد الخام المحلية المتينة، وإدخال التكنولوجيا الحديثة في كل قطاعات الاقتصاد، وتربية الكوادر التقنيين الوطنيين بالقوة الذاتية... هذه هي المضامين الرئيسية التي اشتملت عليها خطة بناء الاقتصاد الوطني المستقل في كوريا الاشتراكية. ولهذا، تتمتع أسس الاقتصاد الكوري المستقل بالمتانة والصلابة. وبالتالي، يلمس أبناء الكرة الأرضية كيف أن صناعة المعادن الاشتراكية الكورية تشكِّل منذ أمد بعيد أساس الاقتصاد القائم على المواد الخام واستخراج الوقود محلياً، وهي كذلك صناعة الآلات العالية المستوى، والتقنيات الذاتية أيضاً. ينطبق هذا الأمر على الصناعات الخفيفة، والكيميائية، ومواد البناء والزراعة.
واليوم، يَعتمد الاقتصاد الكوري على الموارد والتقنية الذاتية. الاقتصاد المستقل لكوريا متين، وترتفع مستويات تحديثه وعلوميته ومعلوماتيته مع مرور الأيام.
وتصبح أسسه مستقلة، إذ وفَّرَ الرئيس كيم إيل سونغ رصيداً قيَّماً للتغلب على التحديات والمصاعب المتراكمة بطاقة القوى المحلية لتحقيق التطور الشامل للبناء الاشتراكي، ولهذا نرى كيف أن الغرب يَصيح ويبكي، بينما الاقتصاد الكوري الكيمجونغئووني هو الأول في الدنيا الذي يُحَافِظ على استقلاليته واستقراره وتطوره.
*الكاتب الصحفي الفخري للدولة الكورية.