سعيد الصالحي
لم نسمع أن فران حارتنا في الثمانينات أو صاحب الدكانة أو بائع الكاز المتجول برفقة البغل قد قرر أحدهم أن يكتب مذكراته المليئة بالاسرار والعرق والجد والكفاح والإصرار على النجاح وتحسين واقع أسرهم، ربما لأن معظمهم لم يمتلك الوقت والرفاهية لاعتزال العمل والتقاعد، بل لقد غادرنا معظمهم وهم في أماكن عملهم، ومن أطال الله في بقائه لم يعد لديه اللياقة والمرونة للنط بين المجالس لاستعراض سيرته الذاتية التي تشرّف والتي لا تخلو من الاثارة والدراما والكوميديا أيضا لكنه لم تصل به لحدود النجاح التي تعودنا عليها في عالمنا العربي بمفهوم انه لم يصبح مسؤولا أو نائبا بل أن فران حارتنا عاش ومات كلاسيكيا لم يتقن إلا عجن وتخمير خبز "الكماج" التقليدي وعندما حاول عمل بعض القرشلة لاول مرة كان هذا اكبر انجاز في حارتنا وله شخصيا، ولكن لماذا لم يكتب هذا الخباز مذكراته؟ ألا تعتبر القرشلة انجازا بالنسبة له يستحق التأريخ؟
لقد قرأت العديد من مذكرات بعض الشخصيات العامة في عالمنا العربي وكنت دائما ابحث فيها عن نقطة التحول التي نقلته من العامة إلى النخبة وكنت دائما أجد أن لكل واحد منهم قرشلته الخاصة التي يتغنى بها.
عن أي مذكرات و أي انجازات وأي نقلات نوعية نتحدث حتى تضمها مئات الصفحات بين دفتي كتاب، فاحترام السيرة الذاتية لأي انسان واجب وحق، أما بمجرد طباعتها ونشرها فقد أصبحت ملكا لنا جميعا نستطيع قراءتها بموضوعية ونقدها دون أن يغضب منا صاحب السيرة، وفي هذا السياق ربما كانت مذكرات أحمد فؤاد نجم "الفاجومي" ورواية الخبز الحافي التي ضمن الروائي العالمي محمد شكري جانبا كبيرا من مذكراته فيها هما أصدق ما قرأت لأنهما تحدثا بصراحة لا يملكها جل من كتبوا مذكراتهم وكانت هذه المذكرات خالية من القرشلة وأي محسنات غذائية أخرى.
وبمناسبة الشهر الفضيل سأقدم لكم وصفة عمل القرشلة في أحد المقالات الرمضانية.
وكل عام ونحن جميعا بخير
ورمضان كريم