نبض البلد -
د. حازم رحاحلة
مدير عام المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي
لطالما ضمن قانون العمل الأردني للمرأة العاملة حقها في الحصول على بدل إجازة الأمومة، لكن المعضلة الأساسية كانت تكمن في التطبيق وفي تبعات هذا الالتزام الذي يفرضه القانون على المنشآت وأصحاب العمل. فالالتزام كان يثبط من دافعية أصحاب العمل على تشغيل الإناث وربما المتزوجات على وجه الخصوص، باعتبار أن ولادتها وحصولها على حقها في الإجازة يشكل عبئاً مالياً يمكن تجاوزه بتشغيل الذكور بدلاً منهن. وعلى نحو آخر، فقد كانت هناك مشاكل مرتبطة بالتطبيق، فإما أن لا يتم الالتزام بدفع البدل المستحق، وأن يتم اللجوء إلى إنهاء خدماتهن قبل الولادة.
تأمين الأمومة الذي أطلقته المؤسسة في عام 2011 بعد إقرار قانونها المؤقت لعام 2010، شكل أرضية صلبة لضمان حقوق المرأة العاملة بالحصول على أجرها كاملاً خلال إجازة الأمومة. ولم تقتصر أهداف البرنامج على جزئية "ضمان الحقوق" وإنما أيضاً على إزالة أحد الأسباب الرئيسة للمفاضلة في التشغيل لصالح الذكور. فالتأمين أُسس على مبدأ التضامن في تحمل كلف إجازات الأمومة وبنسب اشتراكات محدودة (0.75%) من الأجر الشهري للعامل يتحملها صاحب العمل عن كافة العاملين لديه ذكوراً وإناث، على حد سواء.
نجاح تطبيق التأمين على مدار السنوات الماضية، دفع المؤسسة إلى التفكير بجزئية أخرى هامة مرتبطة بمشاركة المرأة في سوق العمل، وهي الهاجس الذي يراود غالبية النساء العاملات، فالعودة إلى العمل بعد الولادة قد يرهق الأم العاملة بتكاليف إضافية قد يصعب تحملها. وقد يفسر ذلك جانباً من استمرار انخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل، حيث تشكل الإناث فقط ما نسبته (28%) من إجمالي المشمولين في الضمان الاجتماعي، هذا على الرغم من ارتفاعها عن مستوياتها قبيل إطلاق تأمين الأمومة والتي بلغت نحو (24%).
كلف الحضانات وكما نعلم جميعاً، قد تستنزف جانباً كبيراً من أجر الأم العاملة وقد يتركها ذلك أمام المفاضلة بين ترك العمل للاعتناء بطفلها أو العودة إلى العمل وتحمل كافة كلف رعاية طفلها لدى دور الحضانة.
تعديل قانون الضمان الاجتماعي في عام 2019 وإدراج نص يسمح بتخصيص ما نسبته (25٪) من اشتراكات تأمين الأمومة لإقرار برامج حماية اجتماعية مرتبطة بتأمين الأمومة وصدور نظام الحماية الاجتماعية وإقرار برنامج المساهمة في الكلف التشغيلية لدور الحضانات وبرنامج رعاية من خلال دور الحضانات أو الرعاية المنزلية، شكل زخماً إضافياً لتعزيز مشاركة المرأة واستمرارها في سوق العمل. فبرنامج رعاية أتاح المجال لكل امرأة عاملة مشمولة بتأمين الأمومة باستكمال مسيرة استفادتها من التأمين من خلال تأمينها بدعم يتراوح ما بين 40 إلى 60 دينار شهرياً عن كل مولود ولمدة 6 أشهر تدفع لدار الحضانة التي تضع فيها مولودهـا، يتناسب عكسياً مع أجرها، فكلما انخفض الأجر كلما زاد حجم الدعم. وحتى إن اختارت رعاية طفلها في منزلها أو لدى أحد من أقاربها، فبإمكانها الحصول على دعم شهري مقداره 25 دينار وللمدة ذاتها.
وباستحداثها لبرنامج المساهمة في الكلف التشغيلية للحضانات، تهدف المؤسسة إلى لعب دور فاعل في ضمان استدامة قطاع الحضانات الذي يواجه ظروفاً صعبة تفاقمت مع جائحة كورونا، وهو يحفز أيضاً على دخول حضانات جديدة لقطاع رعاية الأطفال الذي لا زال بحاجة إلى عدد أكبر منها. علاوة على ذلك، فالبرنامج يضمن حصول العاملات في دور الحضانة على أجورهن ويضمن أيضاً شمولهن في مظلة الضمان الاجتماعي.
لا ندعّي بأن هذه البرامج هي الحل الوحيد لمعالجة ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل، فهناك جملة من المحددات التي لا تزال قائمة والتي تحتاج لجهد وطني تكاملي لسد الثغرات ومعالجة التحديات التي تواجه هذا الهدف والتوجه الوطني، لكنه بمقدورنا أن ندّعي بأن هذه الخطوات هي فاعلة بكل المقاييس للمساهمة بالارتقاء بمساهمة المرأة في سوق العمل، وهي الأولى من نوعها عربياً وقد ترتقي لما تقدمه أنظمة الضمان الاجتماعي في عدد من بلدان الرفاه الاجتماعي.