كتب محمود الدباس.. إدارة الفطر.. ودمار المؤسسات..

نبض البلد -
كتب محمود الدباس..

بداية لمن لا يعرف كيف ينمو الفِطر ويكبر.. فهو النبات الذي ينمو ويكبر في الظلام والرطوبة وتحت السماد..

فالفطر يجب ان يكون مخفيا وبعيدا عن النور.. ويتغذى من بيئته دونما تعب وتدراية وحسن تخطيط وتفكير وتدبير من ادارة المزرعة.. فينمو شيئا فشيئا.. حتى يكبر ويبدأ بالظهور الى العلن.. وهنا وجب على ادارته ان تقوم بقطفه..

وعندما اتابع واسمع من الكثيرين ممن هم حولي عن مؤسساتهم التي يعملون فيها.. اكانت عامة او خاصة.. وعن الترهل الشديد وعدم التقدم والمنافسة لفقر في الافكار الخلاقة الابداعية.. وضعف في التخطيط العميق المرتكز على احدث واقوى الافكار والنظريات والدراسات.. والذي يفوق قدرات استيعاب ادمغتهم التي ركنت الى الروتين والبسيط من الفكر والتفكير.. لا يخطر ببالي الا نبات الفطر.. وكيفية ادارة تلك المنطقة التي ينمو فيها..

فتلك الادارات الهزيلة الضعيفة اداريا وفكريا ومهاراتيا.. لا تستطيع ان تتعامل وتتماهى مع الموظفين الأقوياء اصحاب الافكار الابداعية.. لقلة مخزون معرفتهم.. وخوفهم من تَكَشُف وتَعَري مستواهم الحقيقي امام الجميع..

فتجد الادارة تعمل بطريقة سرية ضبابية بعيدة عن الموظفين.. ولا يعلم الموظف ما الذي سيحل به بعد لحظات..
لا بل ان بعضهم قد لا يُخرِج كل ما في جعبته من افكار ريادية ابداعية خوفا من التسريع في الاستغناء عن خدماته.. لانه وصل مرحلة النضج.. وبات بمستواه الناضج والمشاهد بالعين يشكل تهديدا وخطرا على ادارته والتي تقل عنه كفاءة ودراية وابداع..

كثيرة هي الامثلة في العالم لمؤسسات فشلت فشلا ذريعا باتخاذ اداراتها العليا من ادارة الفطر طريقا وسبيلا لتسيير الامور..

فالطريقة المخابراتية الاستخباراتية لا تصلح الا في الدوائر الامنية التي يتطلب عملها السرية العالية والمطلقة.. ولولا ذلك لفشلت...
اما المؤسسات المدنية.. فيجب على الادارة الرشيدة التعامل مع موظفيها على اساس التشاركية والتكاملية.. وان تكون القرارات والاهداف والاستراتيجيات شفافة الى حد يستطيع من خلاله ان يتحرك الموظف في نطاق وظيفته وهو يشعر بالامان والاستقرار المبني على التحفيز والعقاب في ذات الآن..

وعلى سبيل المثال لا الحصر.. قصة بنكLehman" Brothers" الشهيرة.. والتي تتلخص في افلاسه بعد ان كان احد اشهر البنوك الامريكية بقيمة خسائر فاقت 600 مليار دولار امريكي عام 2008..
وكانت اهم اسباب فشله وافلاسه طريقة الادارة التي تم تشبيهها باسلوب ادارة الفطر..
حيث كانت الادارة العليا تخفي المعلومات عن الموظفين.. وبالتالي كان الموظف يعطي معلومات مغلوطة للزبائن.. الامر الذي تسبب في الانهيار الذي اعتبر الاكبر في تاريخ الشركات الامريكة..

واذا ما اخذنا احدى دراسات "Gecko-board".. والتي تقوم على تحليل البيانات وتقديم النصح للكثير من المؤسسات الكبيرة.. حيث قالت في دراسة اجرتها عام 2015 بان حوالي 80% من الموظفين يطالبون بان تكون الشفافية بين الادارة والموظف على اعلى مستوياتها.. الامر الذي يعطي ثقة للموظف بادارته..
وان 25% من الموظفين يفكرون بالانتقال الى مؤسسات اخرى بسبب عدم وضوح الرؤيا والاهداف وخارطة الطريق للادارة المؤسسة..

لذلك اقول للإدارات التي تتعامل مع موظفيها كمن يدير مزارع الفطر.. والتي بدأت تنتشر بشكل واضح.. في ظل عدم المحاسبة الحقيقية والتدقيق والتفرد في اتخاذ القرارات.. على الرغم من ان النظريات القديمة والحديثة تطالب بالابتعاد عن هكذا منهجية ادارية..
ما عليكم سوى التخلي عن هذه الطريقة.. وزيادة التقرب من موظفيكم.. واطلاعهم على خارطة الطريق التي ترسمونها.. وتشاركونهم في الافكار.. فلعل موظفا قابعا في ظلمة مكتبه الذي يفتقر لابسط مقومات التأهيل من اضاءة او تدفئة يمتلك فكرة تخرج المؤسسة من مستواها الحالي الى مستوى اعلى بكثير..

وفي الختام.. ايها المدراء.. إياكم وان تخافوا من نضج وسعة مخزون موظفيكم.. واكتنازهم بالخبرات والمهارات العالية..
فالقائد القوي والشجاع.. هو من يحيط نفسه بمن هم اقوياء.. ويمتلكون روح الإقدام والمنافسة والتقدم للامام..
وعلى النقيض سنجد من يحيط نفسه بالضعفاء المتسلقين المطبلين.. فلا بد من ان يأتي اليوم الذي تنكشف مستوياتهم الهزيلة.. فينهاروا جميعا..