من الطبيعي أن تزداد جرعة التّديُّن في رمضان وفي زمن جائحة كورونا، كيف لا ورمضان شهر التوبة والرحمة والمغفرة والعتق من النار وتصفيد الشياطين، ورمضان الخير تتضاعف فيه الحسنات وتزداد في أوجه الخير والطاعات؛ وخصوصاً في أيام رمضان الخير أملاً بالصفح والتوبة والحصول على جائزة الجنة؛ وكذلك الأمر لجائحة كورونا فالكل إزدادت جرعته الإيمانية كنتيجة لخوفه من الله تعالى وتحسّبه لأي طارىء؛ ولهذا فإجتماع رمضان كشهر فضيل مع جائحة كورونا يعظّم الجرعة الإيمانية والروحانية على سبيل حُسن الختام والتقرّب إلى الله تعالى:
1. بالطبع كنتيجة التباعد الإجتماعي والجسدي والمسافات الآمنة؛ الناس في بيوتها معظم الوقت في ظل العمل بالحد الأدنى في معظم مواقع العمل في القطاعين العام والخاص؛ وهذه الحالة تعطي الناس جميعاً فرصاً للتفكّر وإعادة الحسابات الدينية صوب الإيمان الأكيد والراسخ والتقرّب بالعبادات إلى الله تعالى.
٢. رغم الحزن الكبير يإغلاق المساجد والكنائس كنتيجة للجائحة وحفاظاً على أرواح وصحة وسلامة الناس؛ مما حدا بالجميع بالمكوث في منازلهم؛ وأخذت العائلة في البيت الواحد إقامة الشعائر الدينية في البيوت؛ وإلتزم الناس بالفتاوي في هذا الشأن وإلتزموا في بيوتهم حماية لأنفسهم وللآخرين وهذا مقياس لحُسن المواطنة وإحترام القرارات الحكومية وقانون الدفاع وسيادة القانون بشكل عام.
٣. لولا جائحة كورونا لوجدنا عملياً كل الناس
ترتاد المساجد في رمضان بإضطراد وأعداد المصلين يزداد لدرجة أن المساجد لا تتسع للمصلين يوم الجمعة تحديداً، وهذه ظاهرة حسنة لكن المطلوب إستمرارها وخصوصاً ظاهرة إصطحاب الأهل لأبنائهم للمساجد مع ضرورة متابعتهم؛ ونتمنى ذلك أن يعود لألقه بعد جائحة كورونا.
٤. الواقع يقول بأن إزدياد حالات التّديُّن يكون أكثر في بداية رمضان وإبان إضطراد أعداد المصابين في فايروس كورونا لكنه سرعان ما يخفُّ لا بل يعود لما قبل رمضان وقبل كورونا نهاية شهر رمضان وحال إنتهاء جائحة كورونا، ولكن علينا أخذ الموضوع بحسن نيّة؛ لكن ذلك مؤشراً ليس طيباً عند البعض ممن يركب موجة التديّن عند الخوف أو في رمضان وبعدها تعود الأمور لنصابها الأولي.
٥. إذا أخذنا الموضوع بحُسن نيّة فهو طبيعي لينهل الناس من الطاعات وأعمال البرّ في رمضان ووقت الشدائد، وعند الشدائد بالطبع يرجع الناس إلى الله تعالى؛ لكنهم وجب عليهم أن يذكروا الله تعالى عند الشدائد وعند الرفاه على السواء؛ لكن الأمر بالنسبة لمنظور آخر يُعدّ نفاقاً ورياءً دينياً خصوصاً وأن ربَّ العالمين يعلم ذلك؛ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير!
٦. ديمومة التديُّن مطلوب وبإستدامة وليظهر على سلوكيات الناس طول الوقت وليس في شهر رمضان أو جائحة كورونا بعينها؛ والتديّن بالطبع ليس عبادات فقط لكنه سلوكيات ومعاملات على الأرض؛ ولهذا فالدين المعاملة.
٧. تدريب الجيل والشباب على أن تٌقرن أفعالهم وسلوكياتهم بإيمانهم جُلّ مهم لتربية جيل روحاني على الأرض وليس بالكلام، وجيل ينعكس تدينه على معاملاته مع الناس؛ فجيل الشباب هو المستقبل الذي نركن عليه ونتطلع بأن يكونوا أدوات ونماذج صالحة بحول الله تعالى.
٨. نتمنّى أن يستفيد الشباب مما يجري حولنا من حالات موت كنتيجة لجائحة كورونا وكذلك من دمار وقتل وإرهاب للعودة لدين الوسطية والتسامح والإعتدال؛ والعودة إلى الله والصدق مع الذات والتصالح مع النفس لينعكس ذلك على الآخرين ممن حولنا بحول الله تعالى.
٩. الإبقاء على نَفس وتيرة التّديُّن قبل وبعد رمضان وجائعة كورونا إيمان وتوبة، لكن العودة إلى الواقع نفسه قبل رمضان وجائحة كورونا رياء أو خوف وليس تقرّب من الله تعالى؛ ولذلك الخشوع والتدين جلّ مهم.
بصراحة: نتمنّى من الله تعالى أن تستمر ظاهرة التّديُّن على ما هي عليه برمضان وخلال جائحة كورونا وما بعد ذلك لنكون مجتمع تائب لله تعالى لا مُرائي؛ ونكون على الطريق المستقيم وبثبات دونما صعوداً او هبوطاً؛ ونتطلع ليثوب الناس لرشدهم بالقرب من الله تعالى حبّاً لله وبشكل دائم دونما مصالح أو ضمن أوقات معينه فقط!
صباح التّديُّن الحقيقي لا الرياء