د. رلى الحروب
كشفت فاجعة مستشفى السلط عن أخطاء جسيمة اجترحت الحكومة لها حلولا عجيبة، وحرصا على المصلحة العامة الذي يحتمه واجب المواطنة الفعالة نورد الملاحظات التالية:
1.الأصل ان يكون لكل مستشفى جهازه الخاص به لتوليد الاكسجين لا ان تعتمد مستشفيات وزارة الصحة والخدمات الطبية على شركات تزودهم باسطوانات الاكسجين او مخزون الاكسجين، وعليه، فإننا نطالب، ولإنهاء الأخطاء البشرية كليا في هذا الملف، بتزويد جميع المستشفيات بأجهزة لتوليد الاكسجين مهما يكن ثمنها، أما الاسطوانات فيجب ان تكون آلية احتياطية فقط في حال حدوث أي مشكلة، لا أن تكون أساسية.
الخطأ البشري يمكن أن يتكرر وسيتكرر في أماكن أخرى غير السلط، والأصل ان المستشفى الذي كلفنا عشرات الملايين لبنائه لن يضيرنا في موازنته أن نحسب حساب جهاز توليد اكسجين!!
2. حدثت كوارث وأخطاء أخرى مشابهة في القطاع الصحي وكانت نتيجتها إزاحة المسؤول مؤقتا من موقعه ثم إعادته إلى مواقع أعلى، فهل هذا ما سيحدث هذه المرة أيضا اعتمادا على ذاكرتنا القصيرة؟ لا داعي للتذكير بأن بعض المسؤولين في الصحة اليوم كانوا في مواقع أخرى وتم تقريعهم من الملك شخصيا ثم إذا بهم يعاد تدويرهم ويواصلون رحلة الترقي في المناصب! وللإنصاف فإن هذا النهج ليس حصريا بوزارة الصحة، ولكنه يطال الكثير من المسؤولين في وطننا الذين يغادرون منصبا إلى منصب، ويدورون الفشل من موقع إلى موقع!
3. التحقيقات القضائية مع المسؤولين الحكوميين في قضايا الرأي العام كانت تبدأ بإجراءات شديدة كالتوقيف، وتنتهي أحيانا بأحكام عدم مسؤولية، وفاجعة البحر الميت ما زالت ماثلة أمامنا في بعض حيثياتها، فهل سيتكرر هذا الحال مع المسؤولين عن كارثة مستشفى السلط؟
4. إلى متى سنستعين بالأجهزة الأمنية لتغطية عورات القطاع المدني المترهل الذي أنتجت منظومة التعيينات والترقيات فيه قوى الفساد والواسطة؟ هل يعقل أن نعين متصرفا لكل مستشفى ليتابع إمدادات الأكسجين ويحل المشاكل الطارئة ويحاسب عنها ماليا، بدلا من تمكين المدراء والأشخاص المعنيين في كل مستشفى من القيام بأعمالهم وتزويدهم بموازنات كافية لحل مشكلاتهم؟ أين دور إدارات الجودة في المستشفيات وماذا تفعل؟ ولماذا لا يتم تعيين خبراء في السلامة المهنية في كل مستشفى أسوة بكثير من الأعمال بدلا من تكليف المتصرفين (وهم موظفون في وزارة الداخلية) بما لا دخل لهم به من أعمال وبما يخرج عن وصفهم الوظيفي؟ وأين هم فنيو الغازات الطبية وماذا كان دورهم في هذه الفاجعة؟ وكيف يخلو مستشفى السلط من وجود مهندس للغازات الطبية؟
هل يعقل أن يكون الحل لدينا هو تعيين أفراد من الدفاع المدني في كل مستشفى تكون مهمتهم تفقد امدادات الأكسجين ثلاث مرات في اليوم؟ هل يعقل أن نستعين بمن هم خارج منظومة المستشفى لحل مشاكل المستشفى؟ إلى هذا الحد لا نثق بمدراء المستشفيات الحكومية وكوادرها في بلادنا؟ ومن يتحمل مسؤولية فشلهم إن كانوا فاشلين أو غير مؤهلين؟ ومن عينهم بالأساس؟ ومن يحاسبهم على تقصيرهم؟ وهل يعقل أن نعين أفرادا من الدفاع المدني لدى شركات التزويد بالأكسجين؟ وهل الشركات أيضا فاشلة وعاجزة عن اختيار موظفين أكفياء؟ هل يعقل أن نحل مشكلاتنا باللجوء إلى حلول من كوادر الأجهزة الأمنية وكأننا دولة عمرها يوم وليس مائة عام؟
5. لماذا تنشئ القوات المسلحة مصنعا لإنتاج الأكسجين؟ ولماذا لا يكون هذا المصنع تابعا للقطاع المدني في الدولة لتدخل إيراداته الموازنة ويعينها على أعبائها الهائلة؟ هل سيكون عنوان الحلول في السنوات العشر القادمة، كما كان عنوان السنوات العشرين الماضية هو سحب الثقة من الجهاز المدني بالكامل وتحويل الإدارة بالتدريج نحو القطاع العسكري كحل لعجزنا عن إصلاح الجناح المدني للدولة بحسب ما ورد في رسالة الملك الأخيرة لمدير المخابرات؟
كلنا فخر بالطبع بمؤسساتنا العسكرية، ولكن لماذا ننتج مؤسسات عسكرية ناجحة وأخرى مدنية فاشلة، في حين أن كلا الجناحين يعملان في نفس الدولة وفي ظل نفس نظام الحكم؟
ثم لماذا الآن فقط وبعد عام وربع من تفشي وباء الكوفيد-19 تنبهنا إلى حاجتنا لإنتاج أكسجين خاص بنا وإلى خطر الاعتماد على شركات لتوريده لنا؟ أين كانت استراتيجيتنا في إدارة الأزمة طيلة هذا الوقت؟ ولماذا ننتظر دائما وقوع الكارثة كي نبادر؟!! أليس اتخاذ الإجراءات الوقائية للحيلولة دون وقوع الأزمات جزءا لا يتجزأ من استراتيجية إدارة الأزمات؟!!
6. هل يحتاج جهاز النيابة العامة إلى إيعاز من الأعلى للتحقيق في جريمة قتل؟ ألا يملك هذه الصلاحية من تلقاء ذاته بموجب أحكام التشريعات المعمول بها في دولة عمر دستورها الحالي 68 سنة؟ لماذا يصرح رئيس الحكومة بأنه طلب من رئيس المجلس القضائي المباشرة بتحقيق في جريمة السلط؟ وهل يكون السبب أن الجريمة تطال وزيرا في الحكومة وعددا من المسؤولين؟ الغريب العجيب أن الرئيس مختص في القانون ويحمل فيه شهادات عليا، فهل هو تصريح سياسي لغايات إظهار أن الحكومة قامت بفعل ما، أم تعبير عن واقع أليم؟
إلى من يديرون الشأن العام في وطننا:
أوجعتم قلوبنا أمس بفعلتكم، ولكنكم اليوم وكل يوم توجعون عقولنا بحلولكم...
آه يا بلد!!