د. عبدالله الطوالبة

د. عبدالله الطوالبة يكتب:لِمَ لا تنتخب المرأةُ المرأةَ؟!

نبض البلد -
نبض البلد -لِمَ لا تنتخب المرأةُ المرأةَ؟!
د. عبدالله الطوالبة
سؤال يظهر على السطح في كل انتخابات، وبخاصة النيابية منها. ونعتقد أنه ليس بلا أساس، إذ أن قرائن فاقعة عدة تؤكد مشروعيته. فمن حيث العدد، لو ان "نصف المجتمع" ينتصر بأغلبيته للمترشحات، لكانت الفائزات منهن بالعشرات، ولتغيرت تركيبة المجالس النيابية. 
وماذا عن الكوتا النسائية؟ أليست إقراراً بأن مجتمعنا، لم يزل غير متحمس لإنتخاب المرأة؟!
لقد أُدرجت الكوتا في قانون الانتخاب عام 2003، بهدف تشجيع المجتمع، ذكوراً واناثاً، لانتخاب المرأة. ولولا الكوتا، مع أنها بالمناسبة غير دستورية، لكانت فرص المرأة في النيابة شبه معدومة. فمنذ انتخاب المجلس النيابي الحادي عشر عام  1989 وحتى اليوم، لم تزل الفائزات في التنافس أقل من عدد أصابع اليد الواحدة. 
وعلى صعيد الأصوات، يُلاحظ أنها قليلة للفائزات بالكوتا حتى بالمقارنة مع الكثير ممن لم يحالفهم الحظ من الرجال المترشحين. 
وبالعودة إلى السؤال عنوان هذا المقال، نجد أن الإجابة الجاهزة دائما في المجتمع النسوي وبشكل خاص في المدن، تتعلق بالغيرة والتنافس بين الناشطات. وهنَّ عادة ما يكُنَّ متقاربات في الخبرات والكفاءة، ولهذا كثيراً ما تتردد في أوساطهن خلال الانتخابات عبارة (ما حدا أحسن مني). 
أما في الأرياف، فإن تبعية المرأة للرجل وضعف ثقتها بنفسها، هما سبب عزوفها عن انتخاب المترشحات من بنات جنسها. هناك، في مواسم الإنتخابات بخاصة، تتصادى في الوسط النسوي عبارة (إذا الرجال ما قدروا يعملوا إشي، معقول النسوان يقدرن؟!)
ونحن نعتقد ان الامر يتعدى الغيرة بين الناشطات في المدن، وتبعية المرأة للرجل في الأرياف.
الظاهرة مرتبطة ببنية النظام الإجتماعي الثقافي في مجتمعاتنا الذكورية، بأبعادها الاقتصادية والسياسية والقيمية. ومن تجليات هذه البنية في مجتمعنا بخصوص ما نحن بصدده، ما يُعرف بالإجماعات العشائرية، خلال الاستعداد للإنتخابات، التي عادة ما يكون بطلها الرجل. واذا ما تتبعنا الجذر المغذي لهذه الظاهرة، فسنجده يمتح من الأنماط التربوية. فالمراة نشأت منذ الطفولة على أن الرجل أقدر منها على ممارسة العمل السياسي، وبالتالي، أكثر أهلية للنيابة. ومع الزمن، تماهت المرأة مع نظرة المجتمع الذكوري اليها. فما تزال تنظر لنفسها على أنها أدنى من الرجل، الذي تكرست فوقيته في منطقة اللاشعور داخله وفي نفس المرأة أيضاً، منذ الصغر. 
في ظروف كهذه، لا يُتوقع ان يكون لدى المرأة القدرة على مقاومة ضغوط العشيرة والأسرة لانتخاب الرجل. وما أكثر ممارسي هذه الضغوط، بالترغيب والمسايرة أو بالإرغام اذا تطلب الأمر. هذا يعني، ان صوتها ليس دائماً مُلكاً لها. فعليها الإمتثال لرغبة الأسرة والعشيرة، والإنصياع لمنطوق العادات والتقاليد مع أنها تميل إلى التقليل من كفاءتها وتهمشها لصالح الرجل. وعلى صعيد العادات والتقاليد أيضاً، نجد انها لم تزل تضع مركز القوة الاقتصادية بيد الرجل على مستوى الأسرة والمجتمع، حتى لو كانت المرأة عاملة ومنتجة.  ومن بيده المال، بيده سلطة اتخاذ القرار. وتعاني المرأة المرشحة من قيود مفروضة عليها، كونها امرأة، في الإتصال مع جمهور الناخبين بأوقات محددة. 
في سياق متصل، تضافرت البنى المنتجة لدونية المرأة وعدم الثقة بجدارتها، منذ قديم الزمان، لتأصيل ذلك في الخلفيات الفكرية للأفراد مغلفاً بغطاء ديني. ومن ذلك فكرة القوامة، التي تحيل الذهن إلى أن المرأة مخلوق ضعيف وتصرفاته غير مضمونة، وبالتالي بحاجة إلى الوصاية والتوجيه والمراقبة وضبط السلوك. 
أما الهدف الرئيس، فهو احتكار القيادة للرجل في الأسرة والمجتمع وشرعنة تحكمه بوسائل الإنتاج. 
القوامة في اللغة، تعني القيام على الأمر وإحسانه. وتعني أيضاً، الرعاية والمسؤولية والمحافظة. لكن العادات والتقاليد هبطت بالقوامة، إلى الاعتقاد بوصاية الرجل على المرأة والانتقاص من مكانتها. 
لنتأمل الآية (34) في سورة النساء: (الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم... الآية). لا نريد اقحام القاريء في جدل التفاسير، لكننا نقول في سياق اجتهادات نعتقد بصحتها، أن صيغة (بما فضل الله بعضهم على بعض) تشمل الرجال والنساء. هنا، تتحدد شروط القوامة ليس على أساس الذكورة والأنوثة وإنما بالأفضلية والقدرة على الإنفاق. هذا يعني أن مسؤولية القوامة يتحملها من يستطيع رجلاً كان أم امرأة، بدليل صيغة (بما فضل الله بعضهم على بعض) وليس على بعضهن. وعليه، فإن "عدم تحديد أفضلية مَن على مَن بشكل قاطع وتركها دون تعيين، يعني تداول القوامة او المشاركة فيها" (انظر د. نصر حامد ابو زيد، دوائر الخوف/قراءة في خطاب المرأة، ص 214). 
وعلينا ملاحظة الشرط الثاني للقوامة في الآية (بما أنفقوا من أموالهم)، فإنه يتحقق لمن لديه القدرة على الإنفاق رجلاً كان أم امرأة. فإذا كانت المرأة قبل 1400 سنة وأزيد، تابعة للرجل اقتصادياً، فإنها اليوم مهندسة وصحفية وطبيبة ورائدة فضاء وقاضية ومحامية وغير ذلك من مهن واختصاصات وعمل في شتى الميادين. المرأة اليوم، تشارك الرجل في الإنفاق على أسرتها، وهناك نساء يتحملن مسؤولية الإنفاق على أسرهن بالكامل لظروف معينة. مقصود القول، اذا لم يفِ الرجل بواجبات الإنفاق على أسرته، تنتفي قوامته. أما المرأة التي تعمل وتتحصل على دخل تنفق منه على أسرتها إلى جانب الرجل، فإنها تصبح مكافئة معه في القوامة(أُنظر  كتابنا: معالم في طريق النهوض، ص 206). 
ولكي نبقى في الصدد لا نخرج عنه، نشير إلى أن ما أوردنا من عوائق وأسباب تمنع المرأة من انتخاب المرأة، ليست قدراً مبرماً، ولا يمكن أن تكون حالات ثابتة. فالتطور والتغيير من سنن الحياة وثوابتها. وما يبدو راسخاً في الأذهان اليوم، قابل للمراجعة النقدية غدا، حسب المستجدات والتطورات. وهذه المراجعة، مفتاح النهوض والتقدم في كل زمان وأوان. ودليل ما نقول، المرأة ذاتها، التي هي اليوم غيرها بالأمس. فقد أثبتت جدارتها في مختلف المجالات وأصبحت أكثر وعياً ونضجاً، وتخطت الكثير من الترسبات والعوائق الإجتماعية. لكن وعلى الرغم من ذلك، ما يزال واقعنا يستدعي بذل المزيد من الجهود المنسَّقة لتوعية المرأة بحقوقها، كأساس ينبني عليه تغيير قناعة المجتمع نحو الثقة بالمرأة وبأهمية دورها. وعندما يتحقق ذلك بنسبة يُعتد بها، سيتلاشى تلقائياً السؤال: لِمَ لا تنتخب المرأةُ المرأةَ؟!