وقع خبر وفاة أستاذنا الكبير الدكتور سعد حجازي عليّ كالصاعقة رغم إيماني المطلق بأن الموت حق ورغم كُثرته في زمن كورونا؛ إذ كنت على تواصل دائم معه وعائلته للإطمئنان والمتابعة؛ لكن قدّر الله ما شاء فعل؛ حيث تربطني بالمرحوم أشياء كثيرة إذ كنت عميداً لشؤون الطلبة ضمن فريق حاكميته ولفترة طويلة إبان رئاسته لجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية لأعرفه عن قُرب وعن كثب وتستمر علاقتنا في كثير من المناحي الأكاديمية والإجتماعية والإنسانية والعلمية وغيرها؛ فهذا الرجل يمتلك من الصفات الطيبة والإنسانية الكثير؛ ويزيد على ذلك مهاراته في التواصل والإجتماعيات والقيادة والإدارة ومحبة الناس وخدمتهم ونشر الطاقة الإيجابية بين المرؤوسين؛ ووطنيته وقوميته الزائدتين؛ والكثير الكثير من الصفات الإيجابية:
١. رحم الله أستاذي ومعلمي وقدوتي الدكتور سعد حجازي 'أبا عمر'؛ الذي عمل فأخلص وقدّم الكثير للمؤسسات التعليمية والعلمية والإجتماعية والإنسانية والوطنية والحياة العامة؛ فكان كبيراً في كل شيء؛ فإذا أعطى أجزل العطاء؛ وإذا عمل أتقن العمل؛ وإذا وثق أطلق الثقة؛ وإذا خوّل الصلاحيات إحترم آراء الآخرين وإجتهاداتهم؛ وإذا لاقى الناس أبسطهم؛ وإذا فارقوه إحترمهم؛ وإذا وعد أوفى؛ فله من الجميع الوفاء.
٢. قُدّر للدكتور حجازي أن يخدم الأكاديميا رئيساً لدورتين في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية خلفاً لأستاذنا معالي الدكتور كامل العجلوني 'أبا صخر' الذي أحسن إختياره خلفاً له ليكون خير خلف لخير سلف؛ ويخدم التعليم العالي عضواً في مجلسه؛ ويخدم العلوم والبحث العلمي رئيساً للجمعية العلمية الملكية؛ ويقدّم الكثير في مواقع ومهمات أخرى أبدع فيها كلها.
٣. ولأن الإنجازات شواهد على الرجال؛ فكانت بصماته في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية بتراكمية لما أسّسه الدكتور كامل العجلوني؛ فكان مستشفى الملك المؤسس خير شاهد على لغة الإنجاز وقصص النجاح؛ وكانت مباني عيادات طب الأسنان والنشاطات الطالبية وعمادة شؤون الطلبة والمكتبة والمسجد شواهد على إنجازاته ورؤيته التعليمية والفكرية والأخلاقية والإنسانية؛ وكان يصنع القادة من مرؤسيه فيختار الأقوياء لا الضعفاء كما في زماننا هذا! وكان يقول دوماً 'بدّي مرؤسيّ أقوى مني' وهذه رؤية ثاقبه تهدف لخلق القادة ووضعهم على الطريق.
٤. وإذا تحدّثنا عن الجانب الإنساني في حياة أبا عمر رحمه الله تعالى؛ فحدّث ولا حرج؛ فكان طيب المعشر وإنساناً بمعنى الكلمة؛ إذا كان يسعى لمساعدة الناس مادياً ومعنوياً؛ وأسس لمدرسة تمتلك روحية العطاء صوب مجتمع متكافل ومتحاب؛ فلم يُذكر عنه سوى الخير والعطاء وتلبية حاجات الناس؛ فسعى لإسعاد الناس لا شقاءهم؛ وسعى لمحبة الناس لا إيذائهم؛ وسعى لبناء الإنسان وتسليحه بالعلم والمعرفة لا تجهيله؛ وسعى للتكافل وجمع الشمل لا للفرقه؛ وسعى للعالمية في التعليم لا التقوقع في المكان؛ وسعى ليرفع إسم الأردن في المحافل الدولية وفق رؤية جلالة الملك حفظه الله تعالى.
٥. كان رحمه الله مدرسة لا بل جامعة في إختيار فريق عمله من الكفاءات والمخلصين؛ فكان يسعى ليضع الرجل المناسب في المكان المناسب؛ وكان مدرسة في تخويل الصلاحيات والمسؤوليات للمرؤوسين؛ فكان يوازن بين الثقة المطلقة والرقابة دون قيود؛ وهذا طبعاً يؤول للإبداع والأريحية عند المرؤوسين؛ ويؤول لمأسسة العمل والتشبيك الوظيفي بين العاملين؛ كما كان يرعى إستدامة العلاقات الإجتماعية والإنسانية بين أعضاء هيئة التدريس والعاملين وحتى الطلبة؛ ويفسح المجال للإبداع عند الجميع.
٦. رسم رحمه الله تعالى خريطة الطريق لجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية صوب العالمية؛ فتحقق ما أراد لاحقاً وبتراكمية على أيدي أبناءه من القياديين لتكون الجامعة وبفخر من أول خمسمائة جامعة على مستوى العالم وفي مقدمة الجامعات العربية؛ ما حدا بالجامعات الأخرى الشقيقة أن تحذو حذوها؛ فهذه نظرة ثاقبة تنمّ عن مواطنة صالحة وإنتماء صادق ليكون الأردن في المقدمة دوماً بحول الله تعالى.
٧. لن أنسى إستدامة علاقاته مع العاملين بمعيته إبان العمل وبعده؛ فكان دائم السؤال والتشجيع لأبنائي ولأبناء كل من حوله ليكملوا مشوار علمهم؛ وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يُؤشّر لدعمه للشباب والإستثمار بهم؛ وإيمانه المطلق بأن الشباب هم المستقبل للبناء والإنجاز؛ فلم يبخل بعلمه وماله على أحد قصده وله بصمات كثيرة يعلمها بعض قارئي هذه السطور ممن خدم بمعيته أو عاصره أو قصده.
٨. كان وطنياً وقومياً حتى النخاع؛ فأحبّ قيادتنا الهاشمية والوطن والجيش والأمن والمؤسسات الوطنية كلها؛ وكان مع فلسطين القضية ودافع عنها وبقي قابضاً على الجمر عزيزاً مهاباً كرامته تطاول عنان السماء.
٩. رغم كورونا وبلوتها وخطورتها أصرّ محبوه إلا أن يشاركوا في جنازته والتي حوت الساسة والأكاديميين والإقتصاديين وقادة الفكر والمجتمع ومعظم فئات الناس الذين أحبوه من قلوبهم وأنا واحد منهم؛ فبكوه بحرقة من قلوبهم؛ ودعوا الله مخلصين له الرحمة والفردوس الأعلى؛ آمين.
بصراحة: من أحبّه الله أحبّه الناس؛ وأستاذنا المرحوم الدكتور سعد حجازي من هذا النوع من الناس؛ الذين أحوج ما نكون لهم هذه الأيام؛ فكان نموذجاً ومدرسة علمية وطبية وأكاديمية وقيادية وإنسانية وإجتماعية والكثير؛ نستمطر شئابيب الرحمة على روحه الطاهره، وسيبقى ذكره خالداً فينا وبيننا من خلال إرثه الإجتماعي والإنساني وإنجازاته وبصماته الراقية والرائعة والتي يشار لها بالبنان؛ وعزاؤنا لأسرته الصغيرة التي أحسن تربيتها ومشت على خُطاه؛ وعزاؤنا واحد.