بلال حسن التل
تحول الإعلام منذ عقود, إلى مشكلة مزمنة للدولة الأردنية, بعد أن كان أحد أهم أدواتها وأسلحتها, سواء في معركة البناء, عبر خدمة خطط التنمية, وقبل ذلك في مجال بناء الرأي العام وتحشيده حول مواقف الدولة, وشرح سياساتها, والدفاع عن ذلك كله, أمام حملات التشكيك, فقد شكل الإعلام الأردني في مراحل سابقة سلاحاً من أسلحة الدولة ومكوناً من مكونات قوتها الناعمة, وكانت أجهزة الإعلام كتيبة أردنية متقدمة, تجسد بمقالاتها وتحليلاتها وأغانيها وبرامجها وتعليقاتها, الشخصية الوطنية الأردنية, وتحفظ الهوية الوطنية الأردنية, فلماذا تحول الإعلام إلى مشكلة للدولة الأردنية, نتحدث عنها منذ سنوات طويلة, ولا نستطيع حلها؟ وهل مشكلة الإعلام واستعصانها على الحل, هو جزء من مؤامرة إغراق الدولة الأردنية في أزمات ومراكمة هذه الازمات, ومن ثم تجريد الدولة من أسلحتها وأدواتها؟ بعد ان تعزز دور الإعلام كواحد من أهم مكونات قوة الدول في العصر الحديث.
قد يقول قائل أن من أسباب أزمة الإعلام الأردني, تراجع دور الإعلام التقليدي لحساب الإعلام الحديث, وهذا فهم سطحي للمشكلة, فالثورة في وسائل الإتصال, أدخلت تطوراً في الأدوات, فدخل الفيسبوك والتوتير واليوتيوب في منافسة الراديو والتلفزيون, لكن مشكلة الإعلام الأردني الرئيسية ليست في الأدوات, لكنها في السياسات والمضامين والرسائل التي يجب أن ينقلها, وهذا التسطيح لمشكلة الإعلام, يقوم على خلط بين إعلام الدولة, وما يحتاج إليه من أدوات وقبل ذلك هوية ومؤسسية ومهنية وثقافة, وقدرة على التحليل, وإحساس بالمسؤولية, بالإضافة إلى طبيعة المضامين وبين مواقع التواصل وما تحمله من خفة وجهل وتسرع في معظم الاحيان, لذلك كان من جوانب التحدي الذي تواجهه الدولة, ضبط أدوات التواصل الاجتماعي, من خلال تشريعات حازمة لحماية المجتمع من الجهل وحماية الكرامات من الإساءة والاغتيال المعنوي للشخصيات, خاصة في ظل تزايد عدد الصحف والمواقع الالكترونية والفضائيات. والإذاعات العاملة في الأردن, دون أن تحمل الهوية الأردنية, فقد صارت معظم هذه الوسائل تعمل على تشويه صورة الأردن, من خلال إبراز السلبيات وتضخيمها, كما توظف لاغتيال الشخصية الوطنية الاردنية من خلال الاغتيال المعنوي لرموزها من الرجال والمؤسسات.
إن التذرع بأدوات التواصل الاجتماعي, كسبب من أسباب تراجع الإعلام الأردني, يقودنا إلى أحد أسباب هذا التراجع, وهي الخلط بالمفاهيم, وأول تجليات هذا الخلط تحول الإعلام إلى مجرد مشروع تجاري, صار الكثيرون من العاملين فيه لا يفرقون بين العمل الإعلامي المهني وبين العلاقات العامة والتسويق.
تحول الإعلام إلى مفهوم تجاري إن جاز في الإعلام الخاص, فلا يحوز في الإعلام الرسمي, فدور الإعلام كسلاح من أسلحة الدولة, يجب أن يحميه من النظرة التجارية وحسابات الربح والخسارة ومفهوم الإرتزاق.
Bilal.tall@yahoo.com