نبض البلد -
بعیدا عن كل البروتوكولات والقیود والھالات الرسمیة والمحاذیر الأمنیة التي یتحصن بھا زعماء العالم ویتمترسون
خلفھا، إما لرغبة في عدم المواجھة، أو تحسبا لفشل ما أو توطئة لتحمیل المسؤولیة لآخرین، وحده الملك عبدالله الثاني
ابن الحسین من بین كل تلك الزعامات والقامات ینخرط في خضم المعركة الأردنیة الشرسة في مواجھة وباء كورونا
جنبا الى جنب مع أبناء شعبھ وحكومتھ ومؤسساتھ، فیتقدم الصفوف ویتابع ویوجھ ویلھم الآخرین، ویتلمس أحوال
مواطنیھ ویشرف على واقع الخدمات المقدمة لھم، ویشتبك إیجابیا في المیدان للوقوف على مدى كفایة المخزون
الاستراتیجي، وھو یحاسب على أي تقصیر من أي كان، ویؤكد أن لا أحد فوق القانون في الإجراءات المتخذة لحمایة
.المواطنین من الوباء، وھذا یعني الإجراءات الصارمة لحظر التجول
ھذا الاشتباك الملكي الفرید من نوعھ بات یحقق نجاحات واضحة ولافتة، فھا ھو الأردن الصغیر بحجمھ جغرافیا
والكبیر بملكھ وقیادتھ الھاشمیة التي تتأصل فیھا روح الإنجاز وقیم العطاء والتفاني والإخلاص، وبشعبھ المتحد،
وبعراقة أجھزتھ ومؤسساتھ یقفون جمیعا على مشارف إنجاز عظیم في مواجھة وباء شرس عزت عن مواجھتھ أعتى
الدول وأكثرھا قوة وموارد ومقدرات، وھا ھي الدول التي تتنازعھا الیوم الاتھامات والسجالات المتبادلة بین أركان
.الحكم فیھا حول من یتحمل مسؤولیة الإخفاق والفشل
أما الملك عبدالله الثاني ابن الحسین فقد راھن على ّ وعي الأردنیین وتماسكھم وتفھمھم وصلابة جبھتھم الداخلیة، وكل
ّ قیم الانتماء والاعتزاز ببلدھم وقیادتھم وھویتھم وإرثھم التلید، وقبل كل ذلك راھن على روح العطاء والعزم لدى أبناء
الوطن وعلى الطاقات الخلاّقة الكامنة فیھم، وھذا النجاح الذي نحن على أعتابھ ونلمس مؤشراتھ لیس عرضیا أو
صدفة، ومن غیر المنصف أن نعتبره كذلك، إنما ھو نتاج طبیعي لحكمة قائد وخبرتھ في الإدارة والقیادة وثمرة مباشرة
.لمتابعاتھ الحثیثة وإلمامھ بكل التفاصیل، نعم بكل التفاصیل
وإذا ما استعرضنا بعین الإنصاف والشفافیة ووفق معاییر علمیة وموضوعیة، العشرین عاما من حكم الملك عبدالله
الثاني لوجدنا الكثیر الكثیر من الانجازات التي لم تأخذ حقھا من البحث وتسلیط الضوء، وھي إنجازات أكبر وأعظم
من أن یتم إنكارھا من جاحد أو مشكك أو ممن یتخذون مواقف استباقیة مشبوھة لا تستند على حقائق، أو ممن یمرون
علیھا بشكل عابر من الموضوعیین انفسھم،فیكفي ھنا الإشارة الى أن حكمة الملك وبشھادة الجمیع، جنبت الأردن
اخطارا وجودیة،لم تكن قائمة حتى في أحلك العقود الماضیة، وبات الاردن البلد الوحید في المنطقة الذي لم تنل منھ
موجات العنف والاقتتال ضمن ما یسمى بمرحلة الربیع العربي، مع التحفظ على التسمیة،وھاھم المطبلون والمبشرون
بالأمس لھذه الحقبة یشیرون بالثناء على الأردن وقیادتھ على أنھا الأكثر حكمة ومرونة وواقعیة في التعاطي والتفاعل
.مع التحدیات والتھدیدات واستیعابھا واحتوائھا بذكاء وحنكة
كثیرون راھنوا من الداخل والخارج على فشل الأردن في التعامل مع التحدیات العظیمة التي تواجھھ، إن كان سیاسیا
أو أمنیاً بفعل داعش وأخواتھا من قوى الشر والظلام والارھاب التي فتكت بدول الجوار والمنطقة والعالم، أو ّ جراء
الأزمة الاقتصادیة الضاغطة التي لا تزال تلقي بظلالھا على كل نواحي الحیاة في الأردن، وھا ھي تتعمق مرة أخرى
جراء أزمة كورونا، وكما تعمقت قبل أشھر بسبب الضغوطات التي تعرض لھا الملك شخصیا والدولة الأردنیة للقبول
بصفقة القرن والتفریط بالقدس والمقدسات، فإن لم تكن ھذه وتلك انجازات للملك عبدالله الثاني فما ھي الانجازات في
نظر المزاودین وتجار الكلام والأقلام من المزاودین والمشككین والمأجورین وعینات «الردح» التي تطل علینا بین
!الحین والآخر للتشویش على الانجاز والمشاغبة على ھذا الدور العظیم للأردن
آن للأردنیین أن یفخروا بصوت عال بملیكھم الشجاع وقیادتھ الفذة، نعم ھم یفخرون بالتأكید، ولكن علیھم أن یرفعوا
صوتھم بكل صلابة وقوة وجرأة وأن یواجھوا ویجاھروا العراء لكل مشكك ینتقص من حجم الانجاز والعطاء، فالملك
یمثل قیمة رمزیة واعتباریة للأردن والأردنیین، وقوتھم من قوتھ، والتقدیر الذي یحظى بھ في جمیع المحافل ھو
رصید ثمین للوطن وأبنائھ،ونلمس آثاره في سمعة الاردنیین وصورة الوطن في الخارج وخصوصیة التعامل العالمي
.معنا كأردنیین
رحم الله الراحل العظیم الملك الحسین بن طلال، طیب الله ثراه، كم كان حكیما وبعید النظر ببصریتھ وحنكتھ المشھودة
حینما ّ أعد عبدالله ابن الحسین لمثل ھذا الیوم واختاره وحده في مرحلة عصیبة لیتولى قیادة الوطن لیشكل امتدادا
للحسین العظیم وحاملا للرایة الھاشمیة من بعده حاملا إرثھ ونھجھ ورسالتھ، فكأنما طبق المثل «أھل مكة أدرى
.بشعابھا» والقادة العظام أخبر وأدرى بأبنائھم وقدراتھم، فلقد رأى الحسین في عبدالله نفسھ
فھذا الخیار المتبصر من الراحل الكبیر، كشف عنھ الكاتب والمحلل السیاسي البارز «روبرت ستالوف»، مدیر معھد
واشنطن، في مقال نشره قبل أیام، أشار فیھ الى لقاء جمعھ مع الملك الحسین طیب الله ثراه، وذلك عام 1996 أي قبل
ثلاث سنوات من وفاة الملك، حیث ّ أسر الحسین لھ بأنھ یعتزم على أن یختار الأمیر عبدالله ولیاً للعھد، معیدا الأمور
الى نصابھا كما كانت عام 1962 ،وھا ھو التاریخ یعید نفسھ فرغم اختلاف الحقب وتطور التحدیات وتعاظمھا إلا أننا
أمام النھج ذاتھ في الحكم والقیادة والریادة والتواصل مع أبناء الشعب والعسكر في میادین الواجب والرجولة، واعني
الحسین وعبدالله الثاني، وھذا إن دل على شيء فإنھ یدل على أن الحكم عند الھاشمیین ھو نھج ورسالة قبل كل شيء،
والعرش عندھم أمانة ومسؤولیة، والسلطة تمثل في قاموسھم قیما ومبادئ ینشدون من ورائھا رفعة الوطن وحمل
.تطلعات أبناء أمتھم نحو الغد المشرق والمستقبل الواعد
كم نحن بحاجة في ھذه المرحلة الدقیقة والحساسة لوقفة صادقة من الإنصاف والتقدیر لشجاعة الملك عبدالله الثاني
وحكمتھ في القیادة وقدراتھ وخبراتھ وانجازاتھ الحاضرة في الحفاظ على الوطن، والتصدي بكل صلابة وثقة للتھدیدات
التي تحیط بالأردن، ولیس مستغربا أن یكون الملك نفسھ عنوانا لكبریات الصحف العالمیة وموضوع مقالات كبار
الكتاب المرموقین المخضرمین والمعروفین بجرأتھم وشفافیتھم والحیادیة التي تمتعون بھا، والذین تناولوا ولا یزالون
مواقف الملك وإدارتھ للحكم بكل إعجاب وتقدیر وانبھار، مستخلصین جملة في كل ما یكتبون، أن الملك عبدالله ھو
.ملك وزعیم استثنائي ولامع بكل مقاییس الحكم الملكي في العالم