التكيف مع ظروف الحجر تغليب لمصلحة عليا في مكافحة فيروس كورونا

نبض البلد -
نبض البلد -أثبت المواطن الأردني قدرة فائقة على التكيف والتأقلم مع ظروف الحجر الصحي والحظر، مُغلّبا المصلحة العليا للدولة في مكافحتها عدوى انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19)، ومؤكداً على دوره المسؤول كذراع أساس في شراكة وطنية تساند وتدعم كل الاجراءات والجهود التي تبذلها المملكة حفاظاً على صحة المواطن، وفقا لخبراء.
وتمكن مواطنون، كما أشاروا لوكالة الانباء الاردنية (بترا)، من التعود على اساليب جديدة لقضاء احتياجاتهم، في سياق الالتزام بكل التعليمات وأوامر الدفاع الصادرة حتى اليوم، إضافة إلى التكيف الى حد بعيد مع ظروف الدراسة والعمل عن بُعد، في سعي حثيث لاستمرار عجلة الحياة دون تعثر، أو تذمر، رغم اختلاف جذري في برنامج المواطن اليومي الاعتيادي، على حد قولهم.
هند الافغاني، متقاعدة، تؤكد انها مستعدة للتأقلم مع كل المستجدات الناجمة عن تداعيات فيروس كورونا المستجد، حفاظاً على صحتها وصحة عائلتها، وخوفاً على الوطن برمته، مشيرة إلى أنها كانت تعتمد بشكل كُلّي على سيارتها بغية التبضع، غير أنها مع قرار المشي على القدمين، وترى أنه الأفضل، و"يقلل الى حد بعيد من الاختلاط، ومن قائمة المشتريات، فلا استطيع أن أحمل اكياسا كثيرة"، بحسب تعبيرها.
فيما تعلم محمد خرفان، اعمال حرة، وعلى إثر الحجر سياسة التقشف، وضرورة التوفير، وتقسيم المدخول المادي للبيت بطريقة منطقية لشراء الاساسيات فقط، بيد أن عبير الشرعة، موظفة قطاع عام، جعلت من الحجر فرصة كبيرة للانتهاء من أعمال بيتية كانت مؤجلة، من صيانة بسيطة، وتنظيف شمولي، واعادة ترتيب "الحاكورة"، تماشيا مع تباشير الربيع، بحسب وصفها.
وعن مدى قدرة الانسان على التكيف مع المستجدات، يقول رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة اليرموك الدكتورعبد الباسط العزام، "في مجتمعاتنا العربية ومجتمعنا الاردني على وجه الخصوص، ثمة ميزة في مفاهيم التربية والقيم، تتلخص في قبول تلقي النصائح خاصة اذا كانت للصالح العام، ومن هذا المنطلق كان التكيف مع أوامر الدفاع المختلفة لمواجهة هذه الجائحة العالمية، حيث يصب هذا التكيف بالضرورة في مصلحة الوطن والمواطن".
ويضيف، أن المواطن ربما لم يكن ليتكيف على هذا النحو الذي نعيشه الآن في ظل الحجر والحظر، لو لم تبذل الدولة كل ما في وسعها لتأمين كل ما يلزم المواطن، وفقا لتعليمات مدروسة توائم بين ضرورة الحصول على الاحتياجات كافة من جهة، وبين تأمين الحد الاقصى من إجراءات التباعد الاجتماعي والوقاية واتباع كل الاحتياطات الضرورية للحد من انتشار ذلك الفيروس، من جهة أخرى، مشيرا إلى أن المجتمع الاردني أثبت على الدوام، وخاصة خلال الازمات إنه الاقدر على التكيف في سياق تعزيز لقيم التضامن والتكافل والتعاضد والنخوة والفزعة.
ويلفت الدكتور العزام الى ان التكيف لدى الانسان يتجاوز فكرة الخوف لدى البعض من نفاذ كميات الطعام والشراب، الذي يصبح هامشيا، اذا ما تذكرنا ان الحجر والحظر هدفهما الحفاظ على صحة الانسان، فتتبدد المخاوف، الى دعم حقيقي لكل جهود الدولة، من منطلق الواجب والمسؤولية الوطنية في الحفاظ على كل ما يصب في الصلحة العامة، لتعلو مظاهر التأقلم والرضا بالأمر الواقع الذي لا مناص منه الا بتضافر كل الجهود وبتعاون كل المواطنين.
وفي سياق مرتبط، يتطرق العزام لبعض من لا يملك القدرة على التأقلم، وهم قلة بطبيعة الحال، كما يتابع، ممن قد يعانون من ظاهرة اجتماعية تسمى الخوف المتخيل، او الخوف من المجهول الذي يربك طبيعة التكيف، لظروف مختلفة منها التربية، أو الوضع الاقتصادي، لافتا الى أن المجتمع الاردني شجاع ومتضامن، ويدرك أهمية شراكته في الوصول الى بر الأمان، وصولا الى الحالة صفر بحول الله، مثمنا دور الاعلام الفعّال، كما يصفه، في التوعية من مخاطر (كوفيد-19). ويذهب الى أن نجاح القدرة على التكيف لدى المواطن الاردني ترافق وإدارة فعّالة وناجحة للأزمة من قبل أجهزة الدولة برمتها، وبطريقة احترافية شهد لها العالم، مع كل ما صاحب ذلك من اجراءات احترازية أتت نتائجها الايجابية في عدد حالات الشفاء مقارنة بعدد الاصابات، حتى أن يوماً لم يعلن فيه عن وجود اصابات كانت بمثابة العيد المنتظر، أملا في الوصول الى النصر الكامل باعلان الحالة صفر، بعد ان تزول هذه الشدة بإذن الله.
ويرى الاستاذ المشارك في قسم علم النفس الارشادي في جامعة اليرموك الدكتور فواز ايوب المومني ان المواطن تكيف مع الحجر والحظر لانه يدرك تماما انهما أتيا لمصلحته اولا واخيرا، ولانه يقدر عاليا ان الدولة بكل كوادرها العسكرية والطبية والامنية والاعلامية رفعت من جاهزية عملها للحد الاقصى حماية للوطن والمواطن، فكان التكيف حلقة وطنية في سلسلة التضامن الشعبي الرسمي.
ويبين ان اشكال التكيف المختلفة اثناء الحجر سهلت على المواطنين تقسيم اوقاتهم وواجباتهم والمشاركة بتعليم ابنائهم، والانتهاء من أمور كانت مؤجلة، بينما شكلت هذه الفترة فرصة كبيرة لايجاد حلول مبتكرة لاي مسألة تماشيا مع المتوفر و"الموجود" في البيت، فكثير من الأسر مثلا قللت من كمية الدجاج واللحوم والمواد التموينية المستهلكة في اعداد الطعام، وغيرت من مسارات اعتيادية يومية، من التبضع بالمولات واحيانا شراء ما لا يلزم الى الاكتفاء بشراء ما يلزم لدى الحاجة من اقرب دكانة.
ويتابع الدكتور المومني، أن تأقلم الفرد في مجتمعنا ينبع من انتمائه وولائه، ومن حبه لوطنه سعيا لتحقيق الاهداف بطرق نبيلة بالتزامن مع الالتزام بالتعليمات الهادفة لخير المواطن، مشيداً في هذا الإطار بالنموذج الاردني الذي ضرب اروع الامثلة في التعامل المسؤول مع هذه الازمة بحكمة وروية، في ظل إدارة حكومية شفافية عززت من أجواء الثقة والتي جعلت من التكيف لدى المواطن الخيار الوقائي الآمن والمتوازن.
--(بترا)