الباشا مروان العمد

الإجراءات الحكومية والشعبية لمواجهة الكورونا

نبض البلد -

قبل ايام تم الإعلان عن الشفاء التام للحالة الوحيدة التي كانت مصابة بفيروس كورونا في الاردن ومغادرتها المستشفى . ولكن هل هذا يعني اعلان انتصارنا على هذا الوباء وإقامة الأفراح والليالي الملاح قبل أوانها ؟ وهل يعني ذلك ان الخطر قد زال عنا وأننا هزمنا هذا الفيروس وقضينا عليه ؟

الحقيقة تقول غير ذلك فلا زال هذا الفيروس يملك حرية التنقل والتحرك بحرية كاملة في جميع أنحاء العالم ولا يزال بإمكانه اختراق اجساد البشر أينما كانوا طالما لم يتم ايجاد مصل مضاد له يستطيع التغلب علية . ولا زال لدينا حالات عديدة في الحجر الصحي للاشتباه بإصابتهم بهذا الوباء وقد تكون نتيجة بعضها إجابية ولا زالت هذه الأعداد في تزايد.

كما انه وفي اليوم التالي تم الإعلان عن إصابة سائحتين كانتا في الاردن قبل اكتشاف إصابتهما به وتبين انهما كانتا قد زارتا عدة دول في المنطقة قبل قدومهما للأردن . وفي اليوم الذي يليه تم الإعلان عن ثبوت خمسة عشر إصابة جديدة بهذا الوباء ولا يزال هذا العدد بالتزايد . صحيح ان معظم هذه الإصابات كانت لأشخاص قدموا من خارج الاردن ، الا ان هذا يثبت ان خطر الفيروس لا زال موجودا وأنه معرض للزيادة أيضاً وخاصة مع زيادة انتشاره في معظم دول العالم وارتفاع أعداد المصابين به بدرجة كبيرة ومعها ارتفاع عدد الوفيات بسببه .

وقد احسنت الحكومة في اتخاذ حزمة من الإجراءات التي تم الإعلان عنها قبل ايّام والهادفة إلى الحد من انتشار هذا الوباء ومحاولة السيطرة عليه . الا ان ذلك ورغم أهميته وضرورته يبقى غير كافياً وخاصة بعد ظهور الإصابات الجديدة ، مما يتطلب ضرورة اتخاذ المزيد من الإجراءات التي تمكننا من مواجهة هذا الوباء ، مثل إقامة المستشفيات الميدانية التي يمكن ان تستوعب اعداداً كبيرة من المصابين وإقامة أماكن جديدة للحجر والعزل لمواجهة انتشار واسع لهذا الوباء . والاستعداد لفرضية إلزام المواطنين بالبقاء في منازلهم وضرورة توفير وتوصيل مقومات الحياة اليهم في أماكن إقامتهم ، وربما فرض حالات منع تجول في أماكن محددة أو في عموم البلاد إذا تطلب الأمر ذلك الا للفئات المخولة . والقيام بعمليات رش وتعقيم قد تشمل الاردن بجميع إرجائه وغيرها الكثير من الإجراءات التي يتطلب القيام بها اتخاذ قرارات غير عادية وبصلاحيات غير عادية.

وأنا لا أقول ذلك تشاؤما وأنا بطبعي متفائلاً ، ولكن من قبيل الاحتياط حتى لا تداهمنا الأحداث و يسرقنا الوقت . وربما يتطلب هذا الأمر اللجوء إلى قانون الدفاع وإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد حتى تتمكن الأجهزة المسؤولة من تطبيق اشد القرارات والإجراءات التي يتطلبها تطور الأوضاع مهما بلغت شدتها لأن الأوضاع العالمية الحالية تتطلب اتخاذ إجراءات شديدة حتى لو كان ذلك من خلال قوانين استثنائية.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فيجب علينا كمواطنين ان نلتزم بالتعليمات والإرشادات التي تصدرها الجهات المعنية مهما بدت صعبة علينا لأن بذلك مصلحة عامة لجميع المواطنين . وان نعد أنفسنا لاحتمال البقاء في منازلنا لفترة قد تطول من الوقت وما يتطلبه ذلك من توفير بعض المواد التموينية والاستهلاكية من غير مبالغة بذلك حتى لا تتعرض هذه المواد للتلف نتيجة انتهاء صلاحيتها للاستهلاك البشري أو ان يتم احتكارها لمن يملك ثمنها وعلى حساب من لا يملك الا قوت يومه . ويجب ان لا يتحول الأمر إلى حالة من الذعر والرعب فأن هذا الوباء ومع سرعة انتشاره وعدم وجود علاج أو مطعوم له فأنه لا يعتبر من الفيروسات البالغة الخطورة حيث يمكن لمعظم المصابين به ان يتماثلوا للشفاء منه دون ان يعلموا أو يشعروا انهم مصابين به . وان خطورته تكمن عند إصابة كبار السن به والذين يعانون من أمراض مزمنة أو لديهم نقص في المناعة ، مما يتطلب المزيد من الحرص من قبلهم وزيادة العناية الصحية بهم من قبل الجهات المختصة . وهذا لا يعني الاستخفاف به وعدم التعامل معه بجدية بل يجب مراجعة المراكز الصحية المحددة لدى احساسنا بأي عارض من عوارضه . وان نتبع تعليمات الوقاية منه الصادرة عن الجهات الصحية وان نكثر من تناول المواد والأغذية التي ترفع درجة المناعة لدينا . وان نتجنب التعامل معه كمادة فكاهية أو مجالاً للاستعراض من قبل نجوم ونجمات السوشال ميديا . والأهم من ذلك ان نتوقف عن التعامل مع الإشاعات والأخبار الكاذبة التي يتم نشرها حوله وعدم اعادة نشرها أو نشر أي خبر عنه قبل التأكد من صحته من قبل الجهات الرسمية المعنية . وان تقوم الجهات المعنية بملاحقة ناشري الإشاعات و متداوليها وتوقيع اشد العقوبات بحقهم لما تتركه هذه الإشاعات من اثر لدى الكثير من المواطنين الذين هم في حالة قلق وخوف من غير حاجة إلى زيادتها عن طريق الإشاعات . كما يجب على الجهات المعنية واستمراراً لسياسة الشفافية التي تتبعها حالياً ان توضح للمواطنين عن مدى إمكانياتها لاستقبال مصابين جدد وعن عدد الأسرة التي تم توفيرها في مكان الحجز وعن خططها لزيادتها في الأيام القادمة وعن إمكانية ذلك خاصة إذا بلغت أعداد المصابين بالآلاف لا سمح الله . وعن مدى توفر مستلزمات أجراء الفحوصات الطبية للمشتبه بإصابتهم و فيما إذا تم توفير حاجاتها منها كاملة مع الأخذ بالاعتبار اسوء الظروف . وعن إرشاداتها لمن بدت عليهم مؤشرات الإصابة به وماهي العلاجات الوقائية التي يمكنهم أخذها والتي لا يمكنهم أخذها ، حيث كثر الحدث عن ذلك واختلفت وجهات النظر .

كما يجب التوقف عن إصدار الفتاوى الدينية والعلاجية عن هذا الوباء من غير المختصين . ان الدعاء لله تعالى بأن يزيل عنا هذا الكرب وهذا الوباء واجب ديني وروحي ولكن من الخطأ الذهاب للقول انه هو العلاج كما ذهب إلى ذلك الكثيرون في كتاباتهم وتعليقاتهم . في خطبة يوم الجمعية وضمن الخطبة الموحدة وموضوعها عن هذا الوباء وطرق الوقاية منه قال خطيب مسجدنا بأن الرسول قد نهى عن التقبيل عند السلام وأنه حض على المصافحة فقط . وأضاف بان قيام المسلم بالابتعاد عن التقبيل وقيامه بالوضوء يحمي يديه من الفيروسات لمدة اربع ساعات بعد كل وضوء ، وأنه لا يؤمن ولا يصدق النظريات المنتشرة حالياً عن المصافحة . وأنهى خطبته بالدعوة لله تعالى ان يزيل هذا الوباء عن بلاد المسلمين . فهل هو يدرك ان بلاد الكفار فيها ايضاً مسلمين ؟ وهل يدرك ان بقاء الوباء بغير بلاد المسلمين سيبقي هذا الوباء في بلاد المسلمين ؟ وهل يدك ان بلاد الكفار هي من تعمل لإيجاد علاج لهذا الوباء فيما اكتفينا نحن بانتظار نتائج أبحاثهم ؟

فليكن دعائنا لله تعالى ان يزيل هذا الوباء عن جميع سكان العالم بمختلف أديانهم ومعتقداتهم وطوائفهم صادقين مخلصين له الدعاء ، لعلها تكون ساعة استجابة ان الله سميع مجيب . وان ندعو الله ان يتمكن من يسعون لإيجاد مصل مضاد لهذا الوباء بالتوفيق في مسعاهم . وحفظكم الله وحفظ البشر اجمعين