تفاصيل أحداث تعريب قيادة الجيش !

نبض البلد -

بعيداً عن العواطف وأية تفسيرات كان تعريب قيادة الجيش العربي وإقالة الجنرال كلوب حدثاً مهماً جداً، وينبغي ان يكون المرء اردنياً ليتسنى له ادراك اهمية هذا الحدث، لقد واكب تلك الخطوة الجريئة التي اتخذها المغفور له الملك الحسين خدمة لوطنه وجيشه، ولأبناء أمته العربية احداث خفية لا يعرفها الكثيرون، كانت بداياتها صباح يوم 29 شباط عام 1956 عندما التقى جلالة الملك رئيس الاركان انذاك الفريق ( جون كلوب) مستوضحاً منه عن رأيه في تعريب قيادة الجيش، فرد كلوب ان المسألة معقدة، وعن رأيه في فصل الشرطه والدرك عن الجيش فجاء رده بإستحالة ذلك، في صباح اليوم التالي، الخميس الاول من آذار طلب الملك الحسين من رئيس ديوانه دولة بهجت التلهوني التنسيق لعقد جلسة لمجلس الوزراء يرأسها بنفسه، وحضر الملك الحسين الى رئاسة الوزراء (مكان البنك المركزي حالياً) الساعة الثانية والنصف من نفس اليوم وترأس الجلسة بحضور رئيس الوزراء آنذاك سمير الرفاعي، حيث ناوله ورقة تحمل الرغبة الملكية بإنهاء خدمات رئيس الاركان الفريق جون كلوب مع نفر من الضباط الانجليز وترحيلهم بدون ابطاء او تأخير ... وخاطب جلالته الوزراء قائلاً لهم لا اريد ان اطيل عليكم ولكني اكتفي بان اقول ان الوضع في الجيش يدعو الى الكثير من الأسى والاسف واذا تركت الامور لهوى رئيس الاركان ورغباته فليس مستبعد ان نجد انفسنا امام كارثة جديدة تشبه كارثة عام 1948، اتخذ مجلس الوزراء اثر ذلك قراره التاريخي رقم 198 بإنهاء خدمات الفريق جلوب وترفيع الزعيم راضي عناب لرتبة لواء وتعيينه رئيساً لأركان حرب الجيش العربي، وإنهاء خدمات القائمقام باتريك كوجهل مدير الاستخبارات والزعيم هاثون مدير العمليات العسكرية وآخرين، اتصل بعدها وزير الدفاع آنذاك....فلاح باشا المدادحة الطلب هاتفياً من كلوب الحضور الى مبنى رئاسة الوزراء بالسرعة الممكنة، عندما وصل كلوب باشا الى مبنى رئاسة الوزراء التقى دولة سمير الرفاعي وفلاح باشا المدادحة وقالوا له ... آن الاوان ان تستريح .... فقال لهم كلوب وهل بدر مني اي شئ .. ولمن اسلم مهماتي .. ومتى ارحل ؟ ... فقال له فلاح باشا تستطيع المغادرة بعد ساعتين من الان ... فرد كلوب قطعاً لا استطيع .... فقد عشت هنا ستة وعشرين عاماً وكل ما املكه من متاع الدنيا في الاردن وزوجتي واولادي ... فقالوا له إرحل وسيلحقون بك وتم تحديد موعد الرحيل صباح اليوم التالي الجمعه الموافق 1956/3/2م وتم اجراء ما يلزم لعدم تمكين كلوب من اجراء اي اتصالات تؤثر على القرار . في نفس اليوم قام الملك الحسين بزيارة رئيس الاركان الجديد في مقر القيادة كخطوة لتفعيل القرار ومنح القوة والشرعيه لرئيس الاركان الجديد وتحسباً لأي تطورات بسبب كثرة الضباط الانجليز في الجيش. في المساء نقل السفير البريطاني رسالة الى الملك الحسين يحذره من خطورة عزل كلوب، فكان رد الملك، انا اقدمت على هذا الحق ولا رجعة فيه مطلقاً .. في صباح يوم الجمعة الثاني من آذار وصل بهجت التلهوني وفلاح المدادحة الى منزل كلوب واوضحا له انهما قادمين لنقله الى المطار وسيكون بهجت التلهوني ممثل جلالة الملك وفلاح باشا ممثل الحكومة .. في الساعة السابعة والنصف صباحاً نقلت الاذاعة الأردنية عبر الاثير صوت الحسين بنبرته القوية وصلابته الوطنية يزف للشعب النبأ العظيم في بيان تاريخي بشر بالحرية والكرامة، وتزامناً مع ذلك كان موكب من بضعة سيارات سوداء يخترق شوارع عمان تحت حراسة عسكرية مشددة ومن خلف نوافذها الزجاجية كان الفريق المقال كلوب ورفاقه من هيئة الأركان الإنجليز يلقون نظرة الوداع على شوارع عمان وهم في طريقهم إلى مطار ماركا العسكري حيث كانت تنتظرهم طائرة داكوتا عسكرية يقودها الطيار الاردني علي احمد شقم (اول طيار شهيد في سلاح الجو الاردني، استشهد بسقوط طائرته في منطقة وادي السير خلال قيامه بتدريب الطيارين عام 1959) لتنقلهم الى قبرص ومنها الى بلادهم بعد خدمة 26 عاماً في الأردن، كانت هناك تعليمات مشددة إلى قائد الطائرة الأردنية بأن لا تتوقف الطائرة في أي مطار أردني مهما كانت الأسباب، وكان الجيش قد اتخذ كافة الاجراءات اللازمة قبل عقد مجلس الوزراء جلسته التاريخية بما فيها احتمال المواجهة العسكرية مع القوات البريطانية المتواجدة في الأردن، وكانت هناك خطة عسكرية متكاملة، حيث تم استنفار القوات المسلحة الأردنية بسرية تامة وحوصرت القوات البريطانية في مطار ماركا في عمان وفي المعسكر البريطاني في العقبة منعاً لأي انزال محتمل من البحر .. بعد خروج كلوب ورفاقه مباشرة غادر الاردن 76 ضابط بريطاني آخرين ، وعمت الإحتفالات والمظاهرات شوارع عمان وكافة المدن الأردنية فرحاً وتأييداً لهذه الخطوة المباركة والقرار الجرئ، كان القرار مؤلماً لبريطانيا فأوقفت مساعدتها المالية والعسكرية للأردن، وقع الأردن بعدها إتفاقيات التضامن العربي المشترك مع السعودية ومصر وسوريا ولبنان لتقديم 36 مليون دولار دعم مالي سنوي للأردن (لم يتحقق) وكميات من الأسلحة والذخائر لتعويض الجيش العربي عن الدعم البريطاني