بلال العبويني

فيروس الإشاعة

نبض البلد -

ليس هناك فيروس أكثر فتكا من فيروس الإشاعة التي تعد أخطر ما قد تواجهه الدول وتحديدا في الأزمات، وقد سبق أن أصابنا ذلك الفيروس في محطات كثيرة ولعله في بعضها وصل إلى مستويات غير مسبوقة وغير مقبولة البتة.

في كثير من المحطات كانت الكثير من الإشاعات متهمة بأن مصدرها من خارج الحدود، وتحديدا ما ارتبط بالمعلومات الكاذبة التي كان يبثها الاحتلال الإسرائيلي، ومن دار في فلكه، عبر بعض أدواتهم الناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي.

غير أن ما يجب الاعتراف به أن ليس كل الإشاعات مصدرها الخارج، بل إن بعض "السوس" ينخر بنا من داخلنا، سواء أكان عن قصد أو غير قصد، ومن هذا ما نشهده من استعراضات على وسائل التواصل الاجتماعي من بعض مستخدميها الباحثين عن جمع اللايكات والتعليقات على حساب الحقيقة والأمن المجتمعي.

نعلم أن الإشاعة تعاني منها دول كثيرة في العالم ومنها من هي أكثر تقدما وتطورا منا، غير أن الملفت لدينا هو ذلك الكم الهائل من الإدراجات على وسائل التواصل الاجتماعي والتي في غالبها تأتي بنفس ساخر ساذج، أو للتقليل من جهد مؤسساتنا الرسمية في تعاطيها مع الحدث.

للأسف، يعاني الكثيرون بعدم قدرتهم على قراءة اللحظة التاريخية وحساسية وأبعاد الحدث الطارئ، وهم في بعض ما يروجون إليه ربما يكونون يخدمون أطرافا مغرضة أو معادية أو مستفيدة من الإساءة وتقزيم المنجزات بقصد أو دون قصد، ليكونوا بذلك أشبه بالجندي الذي خان الأمانة والوطنية برفع سلاحه في وجه من يفترض أنه مؤتمن على حمايتهم.

تعمل الحكومة على إدراج مواد مرتبطة بالتربية الإعلامية لتثقيف الطلبة على كيفية التعامل مع المعلومات وكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا لن يكون كافيا إذا ما كانت طريقة تدريس هذه المواد تعتمد على التلقين أو على أساليب التعليم الكلاسيكية، أو إذا ما كانت تستهدف أيضا الأسر والأمهات على وجه التحديد باعتبارهن الأكثر مكوثا مع أبنائهن ما يضع على عاتقهن مسؤولية حسن التربية والتنبيه إلى خطورة الكذب والذي يندرج تحت مفهومه بث الإشاعات.

وفي المقابل، فإن هناك واجبا على المسؤولين في حسن التصرف مع المعلومات ومع وسائل الإعلام المختلفة، لأن تضليل الرأي العام بمعلومات غير صحيحة أو تفتقر للدقة التامة يعد بيئة خصبة لبث التندر على وسائل التواصل الاجتماعي وبالتالي بث الإشاعات المغلوطة.

كما أن هناك واجبا على الحكومة في حسن إدارتها للأزمة، أي كانت، وأن تلجأ إلى التعاطي معها بمركزية، بحيث يتقدم للتصريح من كان يمتلك المعلومة أولا ومن كان قادرا على حسن توظيفها ثانيا، ومن كان يمتلك المهارات المؤهلة للظهور على وسائل الإعلام المختلفة.

نعلم أننا لن نستطيع وأد الإشاعة بشكل مطلق، لكن سيلان المعلومات الدقيقة وبثها للناس عبر وسائل الإعلام المختلفة وتحديدا المهنية والمحترفة؛ من شأنه أن يحدّ من انتشار الإشاعة إلى الحدود الدنيا.

وبعد ذلك؛ فإن الضرورة تقتضي أن يتم التعاطي مع من يبث الإشاعات في الظروف الحساسة والدقيقة كما يتم التعاطي مع حاملي الفكر التكفيري الذين يُعتبرون المنبع الأساس للإرهابيين الذين يهددون أمن وسلامة الوطن والمجتمع.