اخلاص القاضي
كنت أتوقع أن يتم استغلال المواطن بالاحتكار وغلاء الاسعار لكل السلع والخدمات، إلا الكمامات الطبية، لم أكن لاتخيل حجم الجشع والطمع في قلوب "تجار الأزمات"، حتى قبل أن تشهد الاردن والحمدلله، " حتى كتابة هذه السطور" أي حالة لمرض كورونا، وكنت وصديقتي، بالأمس، حتى قبل أن يصرح وزير الصحة "من وحي ما سمعه من الناس، وعبر السوشيال ميديا"، كنا نقول: مما تشكو الكوفية، فهي خير واق من أي خطورة للتلوث، فيما كان على الوزير أن يطمئن المواطنين أن الوزارة ودوائر الرقابة فيها على أهبة الاستعداد للتصدي لكل من تسول له نفسه احتكار الكمامات الطبية أو رفع سعرها بهذا الشكل الجنوني.
اضطررت البارحة لشراء كمامات طبية حتى أرسلها لإبني الذي يدرس في واحدة من الدول التي سجل فيها حالة كورونا، وكان الوقت مساءً، وسائق الحافلة العمومية المتجهة لتلك الدولة يلح علي بالاسراع في تأمين ما أريد ارساله لابني، فذهبت تحت ضغط الوقت والظرف لابحث في عدد من الصيدليات، وكانت الإجابة بالنفي، أي أن الكمية لديهم نفذت، وبدأت رحلة اللهاث بحثاً عنها، إلى أن وجدتها في صيدلية، تردد صاحبها في البداية بالافصاح عنها، ثم عاد وقال وكأنه " تاجر الماس (عندي بس سعرها ارتفع )!، ثم استفاض بقوله: سعرها الآن أي العلبة الواحدة التي تحتوي على خمسين كمامة، سبعة دنانير ونصف، استغربت لانني أعرف أن (العبوة ذاتها) كانت تباع ب دينار ونصف، ولكن ماذا يفعل المحتاج أمثالي، وتحت ضغط قوله أن علي أخذ أكثر من واحدة لانه، وعلى حد افترائه: (ما بتعرفي متى رح ينقطعوا)، اشتريت عبوة أخرى، لان إبني في بلد أيضاً لم يجد في صيدلياته بالمحيطة بسكنه الجامعي(لا كمامات ولا معقم لليدين)!!
وبعد أن أمنت الاغراض لابني عبر السائق، قال لي ما قصة الكمامات؟، مضيفاً: أحدهم أرسل معي العشرات منها، أي أن الجشع وصل بأحدهم أن يفتح خط تصديرها،"اقصد تهريبها"، وواضح أنها (تجرة محرزة)، ليقبض الثمن أضعافاً مضاعفة، وحتى لا آخذ ذنبه، واتبنى عملاً لم اتأكد من مقصده، أقنعت نفسي أنه يعمل خيراً لله ولشعب محتاج لها، وبعدها عدت وتذكرت أن أسأل أحد اصحاب محال المستلزمات الطبية عن سعر الكمامات، فقال لي أن سعرها بدأ يرتفع بشكل جنوني، وأن التجار سيرفعون سعرها أكثر، لان الطلب عليها كبير، وقبل ذلك سيحتكرنوها بالمخازن، بحجة أن الصين لم تعد تصدر منها، وعند اللزوم سيفرجوا عن البضائع بعد رفع سعرها بشكل جنوني، والناس في هذه الايام تشتريها وقاية وخوفاً، حتى قبل أن يصل الكورونا للأردن، ونتمنى أن لا يفعل أبداً.
لا أدري حقاً، كيف يتاجر الناس بحزن الناس وبمرض الناس وبخوف الناس وبفقر الناس، ومن هنا أتوجه إلى وزارة الصحة وكل المعنيين فيها بالضرب بيد من حديد لكل من يحتكر أو يرفع السعر، على أن تحدد الجهات المسؤولة سعرها، وتحذر بدورها بمخالفة كل من يبيعها بأغلى من ذلك.
"الكمامات الطبية"، هي ليست اختراعاً نووياً، ونستطيع بالاردن تشكيل خليه ما قبل الازمة تحسباً، والبحث في سبل انتاج الكمامات محلياً، دون الحاجة لاستيرادها، ودون رفع سعرها على المواطن، وقرأت شيئا من هذا القبيل عبر "السوشيال ميديا"، لكن في حقيقة الأمرلم يتسن لي التحقق من هذا الموضوع أبداً، فقد حاولت جاهدة الاتصال بوزير الصحة صباحاً، للاستفسار عن عدة محاور حول الكمامات وحالة الجشع وضرورة تعزيز رقابة وزارة الصحة، ولكن للأسف لم أحظ برد، ولربما انشغالات الوزير كثيرة خاصة في هذه الايام، أعانه الله.
ما علينا، شعرت بالامس وأنا أبحث عن الكمامات، بشعور من يبحث عن خبز، ولا يجده، أو ربما شعور من يبحث عن ممنوعات، ولا يهمه الثمن، بئس الضمائر التي تتاجر بخوفك على فلذات أكبادك، أو خوفك على روحك من فيروس متوقع في أي لحظة في أي مكان من العالم، وكم هو مقدار الربح الذي ستحققه أيها الجشع، والفيروس، لا قدر الله، إن انتشر, لن يفرق بينك وبيني، وبين من احتكر الكمامة، ومن رفع سعرها، ومن أحتاجها.