نحن والصفقة..
المهندس عامر الحباشنة
من الصعب جدا الحديث عن حدث ما زال يتفاعل ولم تكتمل نهاياته، ولأن الحديث عن أحداث المنطقة دائما في حالة تفاعل مستمرة، فإن العنوان أعلاه محاولة للفهم في اي إطار يمكن التفاعل والتعامل مع عنوان المرحلة الجديد المسمى صفقة القرن، واين نحن واين ممكن ان نكون من تلك الصفقة، مع الفهم المسبق ان الحديث عن الصفقة لا يستقيم بمعزل عن ما سبقة من صفقات معلنة وغير معلنة، وما يهم في محاولة الفهم ثلاثية اعتقد أنها يمكن تكون عناوين للرد على الصفقة المعلنة، ثلاثية تشكل مثلثا أضلاعه القضية ،الوطن والدولة،.
القضية...
فالقضية المتعلقة بفلسطين الأرض والشعب ولدت منذ فكر أول مستعمر بخرافة ميثولوجية بنيت على وهم وتزوير وعي وإعادة تركيب مشهد تاريخي اسطوري يعطي فيه الإله أرضا لشعب اختاره واصطفاه، وهو في حقيقية مشروع استيطاني استعماري يعيد إنتاج حروب الفرنجة تكفيرا عن العجز في الاندماج وجسر عبور لجغرافيا هي من علم البشرية أبجديتها وحتى اديانها ،فكانت فلسطين هي الخيار وكان الشعب الفلسطيني هو الضحية والقربان، وما دام الافتراض قام على أن الأرض المختارة للشعب المختار، هي ارض بلا شعب لشعب بلا ارض، وثبت بعد 70 عاما ان هناك شعب، فإن اصل الافتراض باطل ويثبت بطلانه مع كل مولود فلسطيني كل لحظة، لذلك فاي مشروع يقوم على تغييب هذه الحقيقة هو مشروع فاشل ومصيره الفشل، فلو صح غير ذلك لما زالت مملكة القدس بعد قرن من عمرها في لحظة نهوض لم تتجاوز عقد من الزمن، لذلك لا حل ولا حلول إلا بتقبل الحقيقة ان هناك شعب نصفه مزروع في الأرض كزيتونه وترابه ونصفه الأخر تشتت وتهجر عبر الحدود والافاق،تغيرت اسمائه وهوياته، ولكن قلبه وعقله مازال هناك حيث الجذور، فهو كالمادة لا تفنى ولا تستحدث وإن تغيرت اسمائه، ومن يغفل تلك الحقيقة مصيرة عابر كما عبر العابرون من قبله حتى وإن طال به الزمن او قصر..ومهمة من يؤمن بذلك ان يعزز صمود ووحدة الداخل الفلسطيني ضمن حدي البحر والنهر، فذاك الصمود هو حجر الزاوية في فشل المشروع الصهيوني الاستعماري مهما علا شأنه.
الوطن...
الوطن هو الوطن الأردني الملتحم جغرافيا وتاريخيا مع فلسطين، وهذا قدر لا خيار فيه، فمنذ تشكل الوطن الأردني بشكله الحالي، كان قدره، أرضا وشعبا الاتحام المصيري مع الجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية وتجذر المصير والارتباط بفعل مراحل الصراع والتحدي للمشروع الصهيوني بكل مراحله، فحتمية الصمود للوطن الأردني مرتبطه بصمود الداخل الفلسطيني، ولذلك كان الاردنيين اول من استشعر الخطر واحس به بوعي سابق منذ سايكس بيكو وحتى اللحظة مرورا بمقررات ام قيس والمؤتمرات الوطنية وتكاليف البقاء على حافة الهاوية، وهذا قدر يشبه التؤام السيامي الذي لا يمكن فصله، فالدولة الأردنية كبقية من حلم الثورة العربية المغدورة تمهيدا للمشروع الصهيوني تزامن تشكلها مع بداية الجرح الفلسطيني، فتوحد المصير بين بقية حلم وجرح نازف، واي تفكير بانفصال من هذا القدر حتميته الفشل والمجهول، لذلك فإن فلسطين بالنسبة لنا قضية وطنية محلية ليس بسبب تنائج اللجوء والتكوين المشترك، بل بسبب قدرية المصير الأكبر حتى لو لم يكن هناك شرق النهر اردنيا واحدا بجذر فلسطيني، وهذا ما يتطلب حماية الوطن الاردني وتعزيز صموده أمام عواصف المتغيرات والاطماع إقليميا ودوليا، خاصة وان البعض لم يكن يرى بهذا الوطن سوى جغرافيا وظيفية مؤقته او ساعي بريد، ويظن ان ساعة تغيير قواعد اللعبة قد حانت وتبدلت ادوارها.
الدولة..
الدولة هنا هي الدولة الأردنية بنظامها السياسي المتمثل برأس الدولة من الملوك الهاشميين، الهاشميين الذين تعلقت بهم ارهاصات الثورة والخلاص بدايات القرن الماضي كرمز روحي وسياسي لتحقيق الحلم الأكبر في الوحدة والانعتاق، فكان ما كان من وأد للحلم الاكبر على أعتاب مطامع ومصالح المنتصرين وتسويات المهزومين، فما مرت عقود الا وفد تقلص الحلم بالدولة الوريث للفكرة، ليختصر بالعنوان الأردني بعدما تم تصفية التجارب المحيطة من ميسلون حتى احتلال بغداد وتداعياته المرعبة، لذلك بقى النموذج الأكثر هدوءا والأكثر استقرارا ،مما آثار ويثير حفيظة الكثيرين ممن يظنون ان الزمن زمانهم والمرحلة مرحلتهم، أولئك الذين ينطبق عليهم مثل عدو جدك ما خلف لك صديق، أمام هذا التحدي فإن الدولة الاردنية ممثلة بنظامها السياسي ورأسه جلالة الملك أصبحوا في موقع المواجهة مع هذه اللحظة التاريخية واستحقاقها، ومن يراقب المشهد يستطيع تلمس حجم التحدي وحساسية الموقف والاستهداف وأن خطا دقيقا يفصل بين خطوات التحرك ومألاته، وهو ما يتطلب دعم واسناد المواقف الأردنية المضادة للمشروع التصفوي الذي في جوهره يمس احد اعمدة الشرعية الهاشمية التي كلفت دماء ومستقبل في مراحل سابقة، والتاسيس على الموقف يحتاج لتجذير الموقف الرسمي للسلطة التنفيذية والتشريعية في دعم الموقف السياسي المصيري لرأس الدولة الأردنية ممثلة برأس النظام السياسي والدولة الأردنية جلالة الملك عبدالله الثاني.
وعليه، وتأسيسا على الثلاثية المحورية، فإن تكامل الربط بين أضلاع المثلث يصبح جزءا متكاملا يحتاج إلى المزيد من الوعي ودعم الصمود، وبعيدا عن المواقف الصغرى هنا أو هناك خلال مسيرة المأساة الفلسطينية وبعيدا عن الكثير من التفاصيل، فإن التحدي الحقيقي يكمن في العمل ضمن المحاور الثلاث بشكل تكاملي في هذه اللحظة التاريخيه التي يرى فيها المشروع الصهيوني انه في اوج إنتصاراته أمام حالة الانقسام والتشتت الإقليمي، لكي لا نكرر اخطاء تاريخية سابقة عند بداية المشروع الصهيوني عندما ذهبنا فرق حساب لصراع القوى الكبرى والاقليمية الطامحة ، وان لم نستطيع رد هذا التيار الجارف من الهرولة الإقليمية والتفرد الأمريكي والتعالي الصهيوني ،فإن أضعف الإيمان ان لا ننجرف ونساهم بالقبول او الاستسلام له، فالقادم صعب مما يعتقد البعض والرهان الوحيد والاوحد يبقى حجره الأساس والمحوري هو صمود الشعب الفلسطيني في الداخل.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.