من استمع إلى خطاب نواب في جلسة يوم أمس للرد على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن صفقة القرن، يدرك حجم المأساة التي نعيشها والتي ابتُلينا أو أوقعنا أنفسنا فيها، بما استمعنا إليه من خطاب يفتقر لأبسط مفردات اللغة السياسية التي يجب أن تكون.
بعض الخطابات كانت تهويشا، وإن صدقت النية، حيث بدا المتحدث، أي كان، وكأنه يخاطب بعضا من أصدقائه في حارة أو قهوة وهو يلهو بلعب "الشدة"، وهو الحديث الذي لا يليق بالقيمة والمكانة الذي يجب أن يظل عليها مجلس النواب بما له من رمزية وقيمة دستورية وشعبية.
لكل مقام مقال، هذا ما يغيب عن البعض، فقد تقبل من إنسان بسيط أن يعبر عن موقفه بما يمتلك من مهارات لغوية وسياسية متواضعة، غير أن من يشتغل في العمل العام أو يتولى منصبا تشريعيا أو تنفيذيا في الدولة، لا يحق له ذلك تحديدا إذا كنا أمام مفصل تاريخي خطير من مثل "صفقة القرن" التي تهدد في تداعياتها القضية الفلسطينية بالتصفية وعلى حساب الدولة الأردنية.
لا أحد يمتلك الحق في المزاودة على أي أردني حيال هذه القضية بالتحديد، غير أن النائب أو المسؤول الذي لا يرى في نفسه القدرة على الحديث السياسي من الأفضل له الصمت أو قراءة نص كتبه له أي من الخبراء أو المقربين منه الذين يجيدون الكتابة والحديث السياسي.
إن تحويل بعض كلمات أي من النواب أو المسؤولين إلى مادة فكاهية على وسائل التواصل الاجتماعي، فيه إساءة بالغة للجميع بدءا من الدولة والقيادة والشعب وموقفهم الثابت والواضح من القضايا الوطنية والقومية الكبرى، وليس انتهاء بالمجلس أو الكيان الذي يمثله.
ثمة مأساة لدينا في انكفاء غالبية المسؤولين الذين تعاقبوا على المناصب في الدولة الأردنية على أنفسهم في الأزمات والتحديات التي تواجهها الدولة من مثل تحدي صفقة القرن الذي نحن بصدده اليوم.
بل إن المأساة الحقيقية تكمن في المسؤول الحالي أو السابق الذي يفتقر للوعي والثقافة التي تمكنه من التعبير عن الموقف السياسي بلغة سياسية مقنعة، والمأساة الأكبر أننا نعاني اليوم من شبه غياب للنخب عن وسائل الإعلام العربية والدولية للتعبير عن الموقف السياسي ورسالة الدولة الأردنية بما يمكنها من أن تصل إلى الجمهور العربي والدولي.
إن أحوج ما نكون إليه اليوم إلى تصدير موقفنا السياسي ورسالتنا الوطنية والقومية إلى خارج الحدود، وإلى الإيمان والاستثمار بنخب سياسية ومهنية جديدة وغير مبتذلة قادرة على حمل الرسالة والتعبير عنها، لأن البقاء في حالة من الفراغ التي نعانيها اليوم سيلحق بنا الضرر لا محالة عبر حصر موقفنا المبدأي من قضايانا الوطنية والقومية بساحتنا المحلية دون أن تصل إلى حيث يجب أن تصل أيضا.
هذه المقالة كُتبت قبل إعلان ترامب عن الصفقة المشؤومة، لكن أي كانت فإن القناعة راسخة أنها لا تصب في صالح الأردن وفلسطين، وهو ما يتطلب لنخبويين يتصدون للدفاع عن الموقف الأردني الفلسطيني الموحد، بشرط أن يمتلكوا القدرة والكفاءة والوعي الكامل للتعبير عنه بشكل واضح ومفهوم، ومثل هؤلاء موجودون بكثرة والحمد لله.